مكانة الأولياء والصالحين

مقدمة
يُعد الإيمان بمكانة الأولياء والصالحين في الإسلام جزءًا من العقيدة الصحيحة، فهم عباد الله الذين آمنوا به واتقوه وأخلصوا له العبادة، فاستحقوا بذلك ولايته ومحبته وقربه. يُجلّ المسلمون هؤلاء الأخيار ويحبونهم لما هم عليه من الإيمان والتقوى والصلاح، ويستفيدون من علمهم وهديهم ويقتدون بحسن سيرتهم. إلا أن هذه المكانة الرفيعة والفضل العظيم لم تجعلهم أربابًا يُعبدون من دون الله أو وسطاء مستقلين بين الله وخلقه، بل هم بشر مثلهم تجري عليهم سنن الحياة والموت، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأولياء والصالحين ورفعهم فوق منزلتهم البشرية، لأن ذلك يُعد انحرافًا عن التوحيد الخالص ووقوعًا في الشرك الذي هو أعظم الذنوب. إن فهم المكانة الحقيقية للأولياء والصالحين في الإسلام، وبيان صفاتهم وفضلهم، والتحذير من تجاوز الحد في تعظيمهم وعبادتهم أو دعائهم من دون الله، يمثل ضرورة لكل مسلم يسعى للاعتدال في دينه واتباع الحق وتجنب الغلو والتقصير على حد سواء.
من هم الأولياء والصالحون في الإسلام ومكانتهم
الأولياء في اللغة هم جمع ولي، وهو القريب والناصر والمحب. أما في الاصطلاح الشرعي، فالولي هو المؤمن التقي الذي أخلص عبادته لله واتبع شرعه. وقد عرفهم الله تعالى في كتابه بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يونس: 62-63).
تتجلى مكانة الأولياء والصالحين في الإسلام في جوانب عديدة:
- محبة الله لهم وولايته إياهم: الله تعالى يحب أولياءه وينصرهم ويتولاهم برعايته.
- كونهم أهل الإيمان والتقوى: فهم القدوة الحسنة في الإيمان بالله والعمل الصالح والبعد عن المعاصي.
- استجابة دعائهم في الغالب: لما لهم من قرب من الله وإخلاص له.
- كراماتهم التي قد يظهرها الله على أيديهم: كرامة من الله تعالى تكريمًا لهم وتثبيتًا لإيمانهم.
- نفعهم للمسلمين بعلمهم وهديهم وصلاحهم.
- كونهم شهداء الله في الأرض: لما لهم من منزلة رفيعة عند الله.
الأدلة من القرآن والسنة على فضل الأولياء والصالحين وصفاتهم
وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة آيات وأحاديث كثيرة تدل على فضل الأولياء والصالحين وصفاتهم:
من القرآن الكريم: الآية المذكورة في تعريف الأولياء (يونس: 62-63)، بالإضافة إلى آيات أخرى تثني على المؤمنين الصادقين والقانتين والمحسنين.
من السنة النبوية الشريفة:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب…”.
- أحاديث تبين فضل الصالحين وأهل الإيمان والتقوى.
- قصص عن كرامات الأولياء في الأمم السابقة وفي صدر الإسلام.
التحذيرات الشديدة من الغلو في الأولياء والصالحين وعبادتهم من دون الله
حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأولياء والصالحين ورفعهم فوق منزلتهم البشرية وعبادتهم أو دعائهم من دون الله، لما في ذلك من محادة لله تعالى ووقوع في الشرك الأكبر:
- النهي عن دعاء غير الله: قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (يونس: 106). والظالم هنا بمعنى المشرك.
- بيان أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله: قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (هود: 31). وهذا ينطبق على سائر البشر بمن فيهم الأولياء والصالحون.
- التحذير من اتخاذ قبورهم أماكن للعبادة أو التبرك بها على وجه مخالف للسنة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وعن إيقاد السرج عليها وعن المبالغة في تعظيمها.
صور الغلو في الأولياء والصالحين التي وقعت فيها بعض الفرق والأفراد عبر التاريخ
لقد وقعت بعض الفرق والأفراد عبر التاريخ في صور من الغلو في الأولياء والصالحين تجاوزت الحد الشرعي، ومن أبرز هذه الصور:
- دعاؤهم والاستغاثة بهم من دون الله في قضاء الحاجات وتفريج الكربات.
- الاعتقاد بأن لهم قدرة مستقلة على النفع والضر.
- الاعتقاد بأنهم يعلمون الغيب أو لهم اطلاع على بواطن الأمور.
- النذر لهم وتقديم القرابين لهم.
- بناء القباب والمزارات على قبورهم واتخاذها أماكن للعبادة والتبرك بها على وجه مخالف للسنة.
- المبالغة في مدحهم وإطرائهم بأوصاف لا تليق إلا بالله تعالى.
- الاعتقاد بأنهم وسائط واجبة بين العبد وربه.
وقد بين أهل السنة والجماعة بطلان هذه الصور من الغلو وأنها تنافي التوحيد الخالص والسنة النبوية الصحيحة.
الموقف الإسلامي الوسطي الذي يحب الأولياء والصالحين ويكرمهم
يتميز موقف أهل السنة والجماعة تجاه الأولياء والصالحين بالحب والتوقير والتقدير والاقتداء بهم في الخير مع إفراد الله بالعبادة وحده، ويتجلى هذا الموقف الوسطي في:
- محبتهم في الله تعالى لما هم عليه من الإيمان والتقوى والصلاح.
- توقيرهم وإجلالهم وتقدير علمهم وفضلهم.
- الاقتداء بهم في الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والسعي في طاعة الله.
- الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
- زيارة قبورهم للاتعاظ والدعاء لهم وللمسلمين، مع اجتناب البدع والمخالفات الشرعية.
- الاعتراف بكراماتهم التي قد يظهرها الله على أيديهم دون المبالغة فيها أو اعتبارها دليلًا على استحقاقهم للعبادة.
- إدراك أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله.
- إفراد الله وحده بالعبادة والدعاء والاستعانة والتوكل والنذر والذبح.
أهمية الفهم الصحيح لمكانة الأولياء والصالحين في الحفاظ على نقاء التوحيد
إن الفهم الصحيح لمكانة الأولياء والصالحين هو سياج منيع يحمي التوحيد من الشرك. فعندما يدرك المسلم حقيقة الأولياء وأنهم عباد صالحون مقربون إلى الله بسبب إيمانهم وتقواهم، فإنه يحبهم ويقدرهم ويقتدي بهم في الخير دون أن يرفعهم إلى مرتبة الألوهية أو يصرف لهم شيئًا من أنواع العبادة التي لا تستحق إلا لله وحده. إن الوقوع في الغلو في الأولياء هو من صور الشرك التي حذر منها الإسلام، وقد أدت إلى انحراف عقائد الكثيرين عبر التاريخ. لذا، فإن تعليم المسلمين المكانة الصحيحة للأولياء والصالحين والتحذير من الغلو فيهم هو من أهم الواجبات للحفاظ على سلامة العقيدة ونقاء التوحيد.
الخاتمة
إن الأولياء والصالحين هم نور الإيمان وقدوة التقوى في الأمة الإسلامية، يجب محبتهم وتوقيرهم والاقتداء بهم في الخير. إلا أن هذا الحب والتوقير والاقتداء يجب أن يبقى في حدوده الشرعية دون غلو أو تجاوز، مع إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأولياء والصالحين وعبادتهم أو دعائهم من دون الله. إن الموقف الإسلامي الوسطي هو محبة الأولياء والصالحين وتكريمهم والاقتداء بهم في الخير مع إفراد الله بالعبادة، وهذا هو سبيل النجاة والفلاح. فلنسع جميعًا إلى فهم هذه القضية الهامة في عقيدتنا والعمل بمقتضاها، سائلين الله تعالى أن يرزقنا حب أوليائه والصالحين والاقتداء بهم في طاعته مع تحقيق التوحيد الخالص له وحده. إن اتباع الحق كما أنزله الله هو سبيل الرشاد والهداية.