سورة الفرقان

مقدمة

تُعد سورة الفرقان من السور المكية العظيمة التي نزلت في مرحلة مبكرة من الدعوة الإسلامية، حيث كانت المواجهة بين الحق والباطل على أشدها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يواجهون عنادًا شديدًا وتكذيبًا مستمرًا من المشركين. تتألق هذه السورة ببيان عظمة القرآن الكريم وأنه الفرقان الذي يميز بين الحق والباطل، وتُثبت وحدانية الله وكمال صفاته وتنزهه عن الشريك والولد، وتُفصل حجج المشركين وشبهاتهم وترد عليها ردًا مفحمًا، وتُبين سوء عاقبة المكذبين من الأمم السابقة. كما تُقدم السورة أوصافًا دقيقة لعباد الرحمن الذين هم صفوة المؤمنين وخيرتهم، وتُبين دعاءهم وخشيتهم وعملهم الصالح. وتختتم السورة بالتحذير من اتباع سبيل المجرمين وعاقبة التولي عن القرآن الكريم. إن تدبر آيات سورة الفرقان وفهم مقاصدها والعمل بتوجيهاتها لهو نبراس يُضيء للمؤمن طريقه نحو الحق واليقين، ويُحصنه من شبهات المبطلين وسبل المجرمين، ويُرشده إلى صفات عباد الرحمن الذين هم القدوة والأسوة.

لم تقتصر أهمية سورة الفرقان على الرد على شبهات المشركين وبيان الحق فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى بناء منظومة إيمانية وأخلاقية متكاملة تُسهم في تكوين فرد مسلم راسخ الإيمان متبع للحق، ومجتمع مسلم متميز بالعبودية لله والبعد عن سبيل أهل الباطل. إنها سورة تربوية تُعلي من قيمة التوحيد والاتباع للقرآن الكريم، وتُحذر من الشرك والتكذيب، وتُرغب في صفات عباد الرحمن. وتتميز بأسلوبها الحجاجي القوي وأمثلتها الواضحة وتصويرها المؤثر لعاقبة المكذبين وجزاء المؤمنين. إن سورة الفرقان بحق هي معيار الحق والباطل ونور يُضيء للمسلمين سبيلهم نحو الهداية والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

تسمية السورة وفضلها ومناسبتها لما قبلها

  • تسمية السورة: سُميت سورة الفرقان بهذا الاسم لافتتاحها بالثناء على الله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا (الآية 1). والفرقان هو القرآن الكريم الذي يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال.
  • فضل السورة: لم يرد في فضل سورة الفرقان أحاديث خاصة صحيحة تُبين فضلًا معينًا لها، ولكن فضلها يكمن في عظمة موضوعها وأهميته في بيان الحق ورد الباطل وتوضيح صفات عباد الرحمن.
  • مناسبتها لما قبلها (سورة النور): سورة النور تناولت أحكامًا وتشريعات تتعلق بالطهارة والعفة وحماية المجتمع المسلم من الفواحش، وجاءت سورة الفرقان لبيان المعيار الذي تُعرف به هذه الأحكام وغيرها من الحقائق وهو القرآن الكريم (الفرقان)، وللتحذير من اتباع سبيل المجرمين الذين يخالفون هذا الفرقان وينشرون الفساد في الأرض.

أبرز موضوعات سورة الفرقان ومقاصدها الأساسية

تتناول سورة الفرقان مجموعة من الموضوعات الهامة التي تهدف إلى ترسيخ الإيمان وبيان الحق ورد الباطل وهداية الناس، ومن أبرز هذه الموضوعات:

  • بيان عظمة القرآن الكريم وأنه الفرقان: وتنزيهه من شبهات المشركين بأنه أساطير الأولين أو أنه افتراه النبي صلى الله عليه وسلم.
  • إثبات وحدانية الله وكمال صفاته: وتنزهه عن الشريك والولد وعن كل نقص وعيب، وبيان عظمته وقدرته وملكه وسلطانه على الكون.
  • الرد على شبهات المشركين: حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحول البعث والجزاء وحول آلهتهم التي يعبدونها من دون الله.
  • بيان سوء عاقبة المكذبين من الأمم السابقة: كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقرون بين ذلك كثيرًا، وذلك للاتعاظ والاعتبار.
  • وصف عباد الرحمن: وهم صفوة المؤمنين وخيرتهم، وبيان صفاتهم وأخلاقهم وأعمالهم ودعائهم.
  • التحذير من اتباع سبيل المجرمين: وبيان عاقبة من تولى عن القرآن واتبع أهواءه وشهواته.
  • التذكير بقدرة الله على إهلاك المكذبين وإنجاء المؤمنين.

أهم الحجج والبراهين التي أوردتها السورة في إثبات الحق ورد الباطل

تضمنت سورة الفرقان حججًا وبراهين قوية لإثبات الحق ورد شبهات المشركين، منها:

  • البرهان على وحدانية الله: من خلال إبداع الخلق وإحكامه وتدبيره للكون.
  • الرد على اتخاذ الأوثان آلهة: ببيان أنها لا تملك نفعًا ولا ضرًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا.
  • الرد على إنكار البعث: بالتذكير بقدرة الله على الخلق الأول وأنه قادر على إعادته.
  • الرد على اعتراضهم على بشرية النبي صلى الله عليه وسلم: ببيان أن الرسل من قبله كانوا بشرًا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
  • الرد على استعجالهم العذاب: بالتذكير بسنة الله في إمهال الظالمين وأن العذاب واقع بهم لا محالة.
  • ضرب الأمثال: لتوضيح الحقائق وتبيين عاقبة المكذبين.

صفات عباد الرحمن وأخلاقهم

تُفصل سورة الفرقان أوصاف عباد الرحمن الذين هم خير المؤمنين وأقربهم إلى الله، ومن أبرز صفاتهم:

  • التواضع ولين الجانب: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: 63).
  • قيام الليل والخشوع في العبادة: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان: 64).
  • الخوف من عذاب جهنم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (الفرقان: 65-66).  
  • الاعتدال في الإنفاق: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67).
  • اجتناب الكبائر: الشرك والقتل والزنا {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (الفرقان: 68).  
  • التوبة والإيمان والعمل الصالح: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان: 70).  
  • اجتناب شهادة الزور واللغو: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (الفرقان: 72).
  • التأثر بالقرآن والتفكر فيه: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (الفرقان: 73).
  • الدعاء بصلاح الذرية والزوجات: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74).  

بلاغة آيات السورة وأمثالها

تتميز سورة الفرقان ببلاغة آياتها وأمثالها التي تُؤثر في القلوب وتُوضح الحقائق، ومن أبرز الأمثلة:

  • تشبيه القرآن بالفرقان: للدلالة على وضوحه وتمييزه بين الحق والباطل.
  • ضرب الأمثال بعاقبة الأمم المكذبة: للاتعاظ والاعتبار.
  • التصوير المؤثر لعذاب جهنم: لترهيب العصاة.
  • الوصف الدقيق لصفات عباد الرحمن: للقدوة والأسوة.
  • تشبيه أعمال الكافرين بالسراب: في الآية (40)، للدلالة على ضياعها وعدم نفعها.

أهمية فهم السورة في ترسيخ الإيمان وهداية الضالين

يُعد فهم سورة الفرقان ضروريًا لعدة أسباب:

  • ترسيخ الإيمان: من خلال بيان عظمة الله ووحدانيته وكمال صفاته.
  • الرد على الشبهات: التي يثيرها أهل الباطل حول القرآن والنبوة والبعث.
  • هداية الضالين: من خلال عرض الحقائق بوضوح وجلاء.
  • تزكية النفوس: من خلال الاقتداء بصفات عباد الرحمن.
  • التحذير من سبيل المجرمين: وعاقبة التولي عن القرآن.
  • زيادة اليقين: من خلال التأمل في سنن الله في الكون وعاقبة المكذبين.

الخاتمة

سورة الفرقان هي معيار الحق والباطل ونبراس التوحيد والتحذير من سبيل المجرمين. إنها سورة عظيمة تُبين عظمة القرآن ووحدانية الله وترد على شبهات المشركين وتُفصل أوصاف عباد الرحمن وتحذر من اتباع سبيل أهل الباطل. إن تدبر آيات هذه السورة وفهم مقاصدها والعمل بتوجيهاتها لهو نور يُضيء للمؤمن طريقه نحو الحق واليقين ويُحصنه من الضلال ويُرشده إلى سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة. فلنجتهد جميعًا في قراءة هذه السورة بتدبر وفهم والاقتداء بصفات عباد الرحمن والتمسك بالفرقان العظيم. إنه بحق هدى ونور ورحمة للعالمين.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث