آداب الدعاء

مقدمة
يُعد الدعاء من أجلّ العبادات وأعظم القربات إلى الله تعالى، وهو صلة مباشرة بين العبد وربه، وسلاح المؤمن في مواجهة صعاب الحياة وابتلاءاتها، ومفتاح لكل خير ومغلاق لكل شر. وقد حث الإسلام على الدعاء ورغب فيه، ووعد الله تعالى بالإجابة لمن دعاه بصدق وإخلاص. ولعظيم شأن الدعاء وأهميته في حياة المسلم، فقد بينت الشريعة الإسلامية آدابًا عظيمة وأسبابًا موصلة إلى قبوله واستجابته، فإذا تحلى الداعي بهذه الآداب واجتنب موانع الإجابة، كان دعاؤه أقرب إلى القبول والتحقق بفضل الله ورحمته. إن فهم آداب الدعاء وأهميتها وفضائله، والحرص على التزامها عند التوجه إلى الله بالدعاء، يُعد من علامات صدق الإيمان وحسن التوكل على الله، وسببًا لنيل قربه ورضوانه وإجابته.
مفهوم الدعاء وأهميته في الإسلام
مفهوم الدعاء لغةً: الطلب والنداء والسؤال.
مفهوم الدعاء اصطلاحًا: هو التوجه إلى الله تعالى بالطلب والرغبة فيما عنده من الخير، ودفع ما يكره، مع الإقرار بعجزه وحاجته إلى الله وقدرة الله وغناه. وهو جوهر العبادة ومخها.
أهمية الدعاء في الإسلام:
- أمر من الله تعالى: قال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” (غافر: 60). فالدعاء عبادة أمر الله بها.
- جوهر العبادة ومخها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة” (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه).
- سلاح المؤمن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم؟ تدعون الله بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء” (رواه الطبراني).
- دليل على التوحيد: فالمؤمن يدعو الله وحده ولا يدعو معه أحدًا.
- سبب لنيل رحمة الله وفضله: فالله تعالى جواد كريم يحب أن يسأله عباده.
- تفريج الهموم وكشف الكروب: يلجأ المؤمن إلى الله بالدعاء عند الشدائد.
- تحقيق المطالب ونيل المراد: بالدعاء ينال المؤمن ما يرجو من خير الدنيا والآخرة.
فضائل الدعاء
- القرب من الله تعالى.
- نيل محبة الله ورضوانه.
- نزول الرحمة والبركة.
- دفع البلاء ورفعه.
- تحقيق الأمن والأمان.
- الفوز بالجنة والنجاة من النار.
الآداب الجامعة للدعاء في الشريعة الإسلامية
هناك آداب عظيمة ينبغي للداعي أن يتحلى بها عند دعائه:
- الإخلاص لله تعالى: بأن يكون الداعي مخلصًا في دعائه، لا يقصد به رياءً ولا سمعة ولا مصلحة دنيوية خالصة.
- التضرع والخشوع والرغبة والرهبة: بأن يدعو الله تعالى بتذلل وانكسار وخوف ورجاء. قال تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف: 55).
- إلحاح في الدعاء وتكراره: فإن الله يحب الملحين في الدعاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا سألتم الله فاسألوه بظهور أكفكم ولا تسألوه ببطونها، وارفعوا أكفكم” (رواه أبو داود).
- حسن الظن بالله تعالى: بأن يوقن الداعي بأن الله سيستجيب دعاءه أو يعوضه خيرًا منه أو يدفع عنه شرًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي).
- استقبال القبلة ورفع اليدين: فقد ورد في السنة النبوية فعل ذلك عند الدعاء.
- البدء بحمد الله والثناء عليه ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فهذا من أسباب قبول الدعاء.
- التوبة والاستغفار: فإن الذنوب من موانع الإجابة.
- إطابة المطعم والمشرب والملبس: فإن الحرام من موانع الإجابة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا…” ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟” (رواه مسلم).
- عدم الاعتداء في الدعاء: كأن يسأل ما لا يجوز أو يدعو بإثم أو قطيعة رحم.
- خفض الصوت في الدعاء: قال تعالى: “وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ” (الأعراف: 205).
- اختيار الأوقات والأحوال والأماكن المستحبة للدعاء: كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ودبر الصلوات، وعند نزول المطر، وعند السفر، وعند المرض، وفي المساجد، وعند المشاعر المقدسة.
- الاعتراف بالذنب والتقصير: والتذلل لله تعالى.
- الدعاء لنفسه ولإخوانه المسلمين: فإن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة.
- اليقين بالإجابة: وعدم الاستعجال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي” (متفق عليه).
- تكرار الدعاء ثلاثًا: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب تكرار الدعاء ثلاثًا.
- اختيار جوامع الدعاء: وهي الأدعية الموجزة ذات المعاني الكثيرة.
الأوقات والأحوال والأماكن المستحبة للدعاء
يستحب للمسلم أن يتحرى أوقاتًا وأحوالًا وأماكن معينة للدعاء لما فيها من فضل ومظنة الإجابة:
- الأوقات المستحبة: الثلث الأخير من الليل، وعند الفجر، وبين الأذان والإقامة، دبر الصلوات المكتوبة، يوم عرفة، شهر رمضان، يوم الجمعة (فيه ساعة لا يرد فيها الدعاء).
- الأحوال المستحبة: عند السجود، عند نزول المطر، عند السفر، عند المرض، عند المصيبة، عند الفرح، عند الهم والغم، عند إقبال القلب ورقة.
- الأماكن المستحبة: المساجد عمومًا، المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى، المشاعر المقدسة (عرفات، مزدلفة، منى).
أسباب إجابة الدعاء وموانعها
هناك أسباب موصلة إلى إجابة الدعاء، وموانع تحول دونها:
أسباب إجابة الدعاء:
- الإيمان والتقوى.
- الإخلاص في الدعاء.
- التضرع والخشوع.
- حسن الظن بالله.
- إطابة المطعم والمشرب.
- رفع اليدين واستقبال القبلة.
- البدء بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- الإلحاح في الدعاء.
- الدعاء في الأوقات والأحوال والأماكن المستحبة.
- الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى.
موانع إجابة الدعاء:
- الشرك بالله تعالى.
- الغفلة واللهو في الدعاء.
- سوء الظن بالله تعالى.
- أكل الحرام وشربه ولبسه.
- الاعتداء في الدعاء.
- استعجال الإجابة واليأس.
- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- وجود حقد أو حسد أو قطيعة رحم.
الخاتمة
إن الدعاء عبادة عظيمة وشأنها جليل، وهو مفتاح كل خير ومغلاق كل شر. وقد بينت الشريعة الإسلامية آدابًا عظيمة وأسبابًا موصلة إلى قبوله واستجابته، وينبغي للمسلم أن يحرص على التحلي بهذه الآداب واجتناب موانع الإجابة عند توجهه إلى الله بالدعاء. فالدعاء صلة بين العبد وربه، ومظهر من مظاهر التوحيد والافتقار إلى الله، وهو سبيل لنيل رحمته وفضله وتحقيق المطالب ودفع المكاره. ونسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يوفقنا للدعاء بالآداب المشروعة وأن يستجيب دعاءنا ويبلغنا آمالنا.