آداب المزاح

مقدمة
يُعد المزاح من الفطرة الإنسانية ووسيلة مشروعة للترويح عن النفس وإدخال السرور على الآخرين وتلطيف الأجواء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا. إلا أن الشريعة الإسلامية لم تترك هذا الجانب الإنساني دون ضوابط وآداب تحفظه من الانزلاق إلى المحرمات أو الإيذاء أو الإسفاف. فالمزاح في الإسلام له حدود ينبغي الالتزام بها وشروط يجب مراعاتها حتى يكون مقبولًا ومستحسنًا، بل قد يكون مأمورًا به إذا قصد به إيناس الآخرين وإدخال السرور عليهم. إن فهم آداب المزاح وأهميته وأنواعه وضوابطه، والحرص على الالتزام بها عند المزاح، يُعد من علامات حسن الخلق والفقه في الدين، وسببًا لنيل محبة الله تعالى ومحبة الناس.
إن استشعار أهمية الترويح عن النفس وإدخال السرور على الآخرين، مع الحذر من تجاوز الحدود الشرعية في المزاح، يدفع المسلم إلى تعلم هذه الآداب والالتزام بها في تعاملاته، لعله أن يكون ممن يحسنون المزاح ويؤثرون في الآخرين إيجابًا.
مفهوم المزاح وأهميته وفوائده في الإسلام
مفهوم المزاح لغةً: المداعبة والملاطفة والضحك.
مفهوم المزاح اصطلاحًا: هو الكلام الذي يقصد به السرور والتلطف وإيناس الجليس وإضحاكه، دون قصد الإيذاء أو الاستهزاء أو الكذب.
أهميته وفوائده في الإسلام:
- الترويح عن النفس وتجديد النشاط: المزاح المباح يذهب السأم والملل ويجدد النشاط للقيام بالواجبات.
- إدخال السرور على الآخرين وإيناسهم: إفراح المسلم وإدخال السرور عليه من الأعمال الصالحة.
- تلطيف الأجواء وتقوية الروابط الاجتماعية: المزاح الحسن يزيل الحواجز ويقرب القلوب.
- تيسير التواصل ونقل الأفكار: المزاح قد يكون وسيلة لجذب الانتباه وتيسير فهم بعض الأمور.
- اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان يمزح مع أصحابه وأهله.
الأدلة الشرعية التي تدل على مشروعية المزاح مع بيان ضوابطه
وردت أحاديث تدل على مزاح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مع بيان الضوابط التي ينبغي مراعاتها:
من السنة النبوية: عن أنس رضي الله عنه قال: “إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: يا ذا الأذنين” (رواه الترمذي وأبو داود). وهذا مزاح لطيف. وعن أنس رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله احملني، قال: “إنا لا نحمل على أولاد الإبل”، فقالت: يا رسول الله وما أولاد الإبل؟ قال: “أو ليس كل بعير ابن إبل؟” (رواه أبو داود والترمذي). وهذا مزاح فيه تورية ولطف. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: “إني لا أقول إلا حقًا” (رواه الترمذي). وهذا الحديث هو الأصل في جواز المزاح بشرط أن يكون حقًا ولا يتضمن كذبًا.
ضوابط المزاح في الإسلام المستنبطة من النصوص الشرعية:
- أن يكون حقًا ولا يتضمن كذبًا: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إني لا أقول إلا حقًا”. فالكذب محرم سواء كان جدًا أو مزاحًا.
- ألا يكون فيه استهزاء أو سخرية بالدين أو بالناس: قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات: 11).
- ألا يكون فيه غيبة أو نميمة: فالغيبة والنميمة من كبائر الذنوب ولا يجوز فعلها بحجة المزاح.
- ألا يكون فيه إفراط أو مداومة: فكثرة المزاح تذهب الوقار وتورث الضغينة وتقلل الهيبة. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به”.
- ألا يكون فيه ترويع للمسلم أو إيذاؤه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا” (رواه أبو داود والترمذي). والمزاح الذي فيه إيذاء أو ترويع محرم.
- أن يكون في الوقت المناسب والمكان المناسب: فلكل مقام مقال، وليس كل وقت يصلح للمزاح.
- أن يكون مع من يؤنس بمزاحه ولا يتأذى به: فبعض الناس لا يحبون المزاح أو يغضبون منه.
- أن يكون بقصد حسن: كإدخال السرور أو تلطيف الجو لا بقصد الاستهزاء أو الإهانة.
الآداب الجامعة للمزاح التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها
بالإضافة إلى الضوابط الشرعية، هناك آداب أخرى ينبغي مراعاتها عند المزاح:
- الاعتدال وعدم الإكثار: خير الأمور أوسطها، وكثرة المزاح تميت القلب وتذهب الوقار.
- اختيار الكلام الطيب واللطيف: وتجنب الكلام البذيء أو الجارح.
- مراعاة حال المخاطب: فليس كل شخص يتحمل نفس القدر من المزاح أو نفس النوع.
- تجنب المزاح في الأمور الجدية: كالدين والعلم والمصائب.
- عدم المبالغة في الضحك: فكثرة الضحك تميت القلب.
- أن يكون المزاح عفيفًا: لا يتضمن إيحاءات جنسية أو ألفاظًا بذيئة.
- أن يكون المزاح مفهومًا: حتى لا يقع سوء فهم أو ضيق.
- الاعتذار إذا أخطأ في مزاحه: والرجوع عن ذلك.
- عدم الإصرار على المزاح إذا لم يرغب فيه الطرف الآخر.
- تجنب المزاح الذي يثير الفتن أو الخصومات.
أنواع المزاح
يمكن تقسيم المزاح إلى أنواع بحسب الغرض منه أو طريقته:
- المزاح اللطيف: الذي يقصد به إدخال السرور وإيناس الجليس ولا يتضمن محرمًا. وهو المستحب والمباح.
- المزاح بالتورية: وهو الكلام الذي له معنيان، ظاهر غير مراد وباطن مراد، ويكون فيه لطف وفكاهة. وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
- المزاح العملي: كالمداعبة الخفيفة أو الفعل المباح الذي يثير الضحك.
- المزاح الساخر أو المستهزئ: وهو المحرم إذا كان بالدين أو بالناس.
- المزاح الكاذب: وهو المحرم لما فيه من الكذب.
- المزاح المؤذي أو المرعب: وهو المحرم لما فيه من ترويع المسلم وإيذائه.
التحذير من أنواع المزاح المحرمة أو المكروهة
يجب على المسلم أن يتجنب أنواع المزاح المحرمة أو المكروهة:
- المزاح الكاذب.
- المزاح المستهزئ والسخرية بالآخرين.
- المزاح الذي فيه غيبة أو نميمة.
- المزاح المؤذي أو المرعب.
- كثرة المزاح التي تذهب الوقار.
- المزاح في الأمور الجدية.
- المزاح البذيء أو الفاحش.
- المزاح الذي يثير الفتن والخصومات.
الخاتمة
إن المزاح في الإسلام مشروع ومباح بل قد يكون مستحبًا إذا قصد به إدخال السرور على المسلمين وترويح النفس، ولكن له ضوابط وآداب عظيمة ينبغي على المسلم مراعاتها والالتزام بها. فالمزاح الحق هو الذي لا يتضمن كذبًا أو استهزاء أو إيذاء أو إفراطًا، ويكون بقصد حسن وفي الوقت والمكان المناسبين ومع من يؤنس به. والمسلم الفطن هو الذي يحسن المزاح ويعرف حدوده ويراعي آدابه، فيكون مزاحه سببًا للألفة والمحبة والترويح المشروع لا سببًا للإثم والضغينة. ونسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال وأن يجنبنا سيئها.