الرفق

مقدمة
يُعد الرفق من أجلّ الأخلاق وأحسن الصفات التي حث عليها الإسلام ورغب فيها، بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم علامة الخير وسببًا لنيل البركة والنجاح. فالرفق هو لين الجانب وسهولة التعامل ولطف الكلام وحسن التصرف، وهو صفة من صفات الله الحسنى وأمر نبوي كريم يجب التحلي به في جميع جوانب الحياة، سواء في التعامل مع الخالق أو المخلوقين، في القول والفعل والنصيحة والدعوة. إن فهم فضل الرفق وأهميته وأنواعه وآثاره في الدنيا والآخرة، والحرص على التخلق به في جميع التعاملات، يُعد من علامات الإيمان الراسخ والاتباع للسنة النبوية المطهرة، وسببًا لنيل محبة الله تعالى ومحبة الناس والفوز بالخير والبركة في الدنيا والآخرة.
مفهوم الرفق وأهميته وفضله ومكانته في الإسلام
مفهوم الرفق لغةً: اللين واللطف والسهولة واليسر.
مفهوم الرفق اصطلاحًا: هو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل والأيسر، وتجنب الشدة والعنف والغلظة في التعامل مع الآخرين وفي تحقيق الأمور.
أهميته وفضله ومكانته في الإسلام:
- صفة من صفات الله الحسنى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفيق يحب الرفق” (متفق عليه). فالله متصف بالرفق ويحب من عباده أن يكونوا كذلك.
- أمر نبوي كريم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله” (متفق عليه). وهذا يدل على شمولية الرفق وأهميته في جميع الأمور.
- علامة الخير والبركة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير” (رواه مسلم).
- سبب لنيل محبة الله ومحبة الناس: القلوب تميل إلى اللين والرفق وتنفر من الشدة والغلظة.
- وسيلة للتأثير والإصلاح: الرفق أبلغ في تحقيق المقاصد وإصلاح النفوس من العنف والشدة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه” (رواه مسلم).
- سبب لدخول الجنة: الرفق في التعامل مع الناس قد يكون سببًا لنيل رحمة الله ودخول الجنة.
الأدلة الشرعية من القرآن والسنة التي تأمر بالرفق وتحث عليه
وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تأمر بالرفق وتحث عليه في مختلف جوانب الحياة:
من القرآن الكريم: قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران: 159). هذه الآية تبين أثر الرفق واللين في تأليف القلوب واجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم.
من السنة النبوية: أحاديث عديدة تبين فضل الرفق وتحذر من العنف، منها حديث “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله”، وحديث “ما كان الرفق في شيء إلا زانه”، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما بال أعرابي في المسجد فهم به الصحابة فقال: “دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” (رواه البخاري). وهذا يدل على رفقه صلى الله عليه وسلم وتعليمه أصحابه الرفق واللين في التعامل مع الجاهل.
أنواع الرفق ومجالات تطبيقه المختلفة
يشمل الرفق في الإسلام أنواعًا ومجالات تطبيق واسعة:
- الرفق مع الله تعالى: وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه بيسر وسهولة وعدم التشدد على النفس بما لم يكلفها الله به.
- الرفق مع النفس: وذلك بعدم تحميلها ما لا تطيق وإعطائها حقها من الراحة والترفيه المباح.
- الرفق مع الأهل والأولاد: وذلك باللين في التعامل وحسن التربية وتجنب العنف والقسوة.
- الرفق في الدعوة إلى الله: وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. قال تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 1 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (النحل: 125).
- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وذلك باللين والأسلوب الحسن مع مراعاة المصلحة ودرء المفسدة.
- الرفق في التعليم والتعلم: وذلك بالصبر على المتعلم والتيسير عليه وحسن الإفهام.
- الرفق في القضاء والحكم: وذلك بالعدل والإنصاف والرحمة بالضعفاء.
- الرفق في التعامل مع الخدم والعمال: وذلك بعدم تكليفهم ما لا يطيقون وحسن معاملتهم.
- الرفق بالحيوان: وذلك بعدم تعذيبه والإحسان إليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من شدة العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له”، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ قال: “في كل ذات كبد رطبة أجر” (متفق عليه).
آثار الرفق المباركة في الدنيا والآخرة
للرفق آثار عظيمة ومباركة في الدنيا والآخرة:
في الدنيا:
- تأليف القلوب وكسب المحبة.
- تحقيق الأهداف وتيسير الأمور.
- نشر الخير والإصلاح في المجتمع.
- الاستقرار والأمن والوئام.
- البركة والزيادة في الرزق.
- النجاح والتوفيق في الحياة.
في الآخرة:
- نيل محبة الله ورضوانه.
- دخول الجنة والنجاة من النار.
- الأجر العظيم والثواب الجزيل.
- الرحمة والمغفرة من الله تعالى.
- المنزلة الرفيعة في الآخرة.
التحذير من ضد الرفق وهو العنف والشدة
يحذر الإسلام بشدة من العنف والشدة والغلظة لما لها من آثار سلبية مدمرة:
- نفور الناس وابتعادهم.
- عدم تحقيق الأهداف وصعوبة الإصلاح.
- نشر الكراهية والعداوة في المجتمع.
- الاضطراب والفتن والقلاقل.
- الحرمان من الخير والبركة.
- العقوبة في الدنيا والآخرة.
الخاتمة
إن الرفق خلق عظيم وصفة جليلة حث عليها الإسلام وأمر بها في جميع جوانب الحياة. وهو لين الجانب وحسن التعامل وسبيل التأثير والإصلاح. وقد بينت الأدلة الشرعية فضله العظيم وآثاره المباركة في الدنيا والآخرة، وحذرت من ضده وهو العنف والشدة. فينبغي على كل مسلم أن يسعى للتحلي بالرفق في أقواله وأفعاله وتعاملاته مع الله ومع النفس ومع الخلق أجمعين، رجاء نيل محبة الله ورضوانه ومحبة الناس وقبولهم والفوز بالخير والبركة في الدنيا والآخرة. ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الرفق واللين وأن يجعلنا من أهله وأن يوفقنا لكل خير.