تعاهد القرآن

مقدمة
يُعد القرآن الكريم النور المبين والهداية الربانية للخلق أجمعين، وهو حبل الله المتين والصراط المستقيم الذي من تمسك به نجا ومن أعرض عنه ضل وغوى. وقد أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. ولعظيم منزلة هذا الكتاب الكريم، فقد حث الشرع الإسلامي على تلاوته وتدبره وحفظه والعمل بأحكامه، ومن أهم الوسائل المعينة على ذلك “تعاهد القرآن الكريم”. فتعاهد القرآن يعني المداومة على تلاوته ومراجعته وتثبيت حفظه وعدم إهماله أو نسيانه. إن فهم فضل تعاهد القرآن ووسائله وأهميته في حفظه والعمل به، والحرص على المداومة عليه، يُعد من علامات الإيمان الصادق والرغبة في الارتقاء في مدارج القرب من الله تعالى والتمسك بهديه.
فضل القرآن الكريم وعظيم منزلته وأهمية تعاهده
للقرآن الكريم فضل عظيم ومنزلة رفيعة في الإسلام، وتعاهده له أهمية بالغة:
فضل القرآن الكريم: هو كلام الله تعالى، وهو النور والهدى والشفاء والرحمة، وهو المعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم. تلاوته عبادة، وحفظه رفعة، والعمل به نجاة.
أهمية تعاهد القرآن:
- الحفاظ على حفظه وتثبيته: النسيان طبيعة البشر، والقرآن سريع التفلت، فتعاهده يثبت حفظه ويمنع نسيانه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها” (متفق عليه).
- الارتباط الدائم بكلام الله: تعاهد القرآن يجعل المسلم على صلة دائمة بكلام ربه، مما يزيده إيمانًا ويقينًا وهدى.
- تدبر معانيه وفهم أحكامه: المداومة على تلاوة القرآن ومراجعته تدعو إلى تدبر معانيه وفهم أحكامه والعمل بها.
- الارتقاء في درجات الجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” (رواه أبو داود والترمذي). فتعاهد القرآن يزيد من قراءة المسلم ويرفعه في درجات الجنة.
- نيل الأجر العظيم: بكل حرف يتلوه المسلم من القرآن حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. فتعاهد القرآن يزيد من حسنات المسلم وأجره.
- الوقاية من النسيان المذموم: نسيان القرآن بعد حفظه فيه وعيد شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها” (رواه أبو داود والترمذي).
الوسائل العملية لتعاهد القرآن الكريم والمحافظة عليه
هناك وسائل عملية عديدة تعين المسلم على تعاهد القرآن والمحافظة عليه في صدره:
- تخصيص ورد يومي ثابت للتلاوة: ولو جزءًا يسيرًا، والمداومة عليه وعدم الانقطاع.
- تحديد أجزاء معينة للمراجعة الدورية: بتقسيم المحفوظ إلى أجزاء ومراجعة كل جزء بانتظام.
- التسميع المنتظم للمحفوظ على شخص آخر: أو الاستماع إلى تسجيلات متقنة للتأكد من صحة الحفظ.
- المراجعة في الصلوات: بتطبيق المحفوظ في الصلوات المفروضة والنافلة.
- الاستماع إلى القرآن بتدبر: والاستفادة من القراء المتقنين.
- قراءة تفسير الآيات: لفهم معانيها والارتباط بها بشكل أعمق.
- الاشتراك في حلقات تحفيظ القرآن ومراجعته: لما فيها من عون وتشجيع ومتابعة.
- تكرار الآيات والسور: خاصة الآيات والسور التي يخشى نسيانها.
- ربط الآيات والسور بمعانيها وقصصها: لتسهيل تذكرها.
- الدعاء إلى الله تعالى بالتوفيق في حفظ القرآن وتعاهده: فالتوفيق كله بيد الله.
التحذير من نسيان القرآن وإهماله
ورد في السنة النبوية وعيد شديد لمن حفظ القرآن ثم نسيه أو أهمله:
- الوعيد الشديد: كما في حديث “أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها”.
- التشبيه بالإبل المتفلتة: في حديث “لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها”، مما يدل على سرعة نسيانه إذا لم يتعاهده.
- الحسرة والندامة يوم القيامة: على تفريطه في هذا الكنز العظيم.
فينبغي للمسلم الذي من الله عليه بحفظ شيء من القرآن أن يحرص عليه أشد الحرص وأن يتعاهده بالمراجعة المستمرة خوفًا من هذا الوعيد.
أثر تعاهد القرآن في حياة المسلم وثباته على الحق وعمله بأحكامه
لتعاهد القرآن أثر عظيم ومبارك في حياة المسلم:
- الثبات على الحق: القرآن هو الحق المبين، والمداومة على تلاوته وتدبره تثبت المسلم على الحق وتبصره بدينه.
- الاستقامة على الطاعة: القرآن يهدي إلى أقوم الطرق، وتعاهده يعين المسلم على الاستقامة على الطاعات واجتناب المعاصي.
- نور في القلب وضياء في الوجه: القرآن نور، والمداومة على تلاوته تنير قلب المسلم وتشرح صدره وتضفي على وجهه ضياء.
- الحكمة والفقه في الدين: تدبر القرآن يورث الحكمة والفقه في الدين وفهم مقاصد الشريعة.
- قوة الإيمان واليقين: الارتباط الدائم بكلام الله يزيد الإيمان ويقوي اليقين.
- العمل بأحكامه: فهم معاني القرآن يدعو إلى العمل بأحكامه وتطبيقها في الحياة.
- الفوز بالجنة والنجاة من النار: القرآن شفيع لصاحبه يوم القيامة، والعمل به سبب للفوز بالجنة والنجاة من النار.
الخاتمة
إن تعاهد القرآن الكريم من أجلّ القربات وأعظم الطاعات، وهو سبيل لحفظه وتثبيته والعمل به والارتقاء في درجات الجنة. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من نسيانه وإهماله. لذا، ينبغي على كل مسلم أن يحرص على تخصيص ورد يومي لتلاوة القرآن ومراجعته، وأن يستعين بالوسائل العملية المعينة على ذلك، وأن يدعو الله بالتوفيق والإعانة. فتعاهد القرآن نور وهدى وشفاء ورحمة، وهو سبب لثبات المسلم على الحق وعمله بأحكامه وفوزه برضا الله وجنته. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته وأن يوفقنا لتعاهده والعمل به.