الاستعانة والاستعاذة

مقدمة

يُعدّ مفهوم الاستعانة والاستعاذة من المفاهيم الأساسية والعميقة في الشريعة الإسلامية، والتي ترسخ في قلب المؤمن التوجه الخالص لله تعالى والاعتماد الكامل عليه في جلب المنافع ودفع المضار. فالاستعانة هي طلب العون والمدد من الله وحده في كل شؤون الحياة، لعجز الإنسان وضعفه وحاجته الدائمة إلى قوة وسند من خالقه. أما الاستعاذة فهي الالتجاء والتحصن بالله تعالى من كل شر ومكروه، والاعتصام بحماه من وساوس الشيطان وكيد الأعداء. إن فهم حقيقة هاتين العبادتين العظيمتين وأهميتهما وأنواعهما ومواطنهما في الشريعة الإسلامية، والحرص على التمسك بهما قولًا وفعلًا، يُعد من علامات صدق الإيمان وقوة التوكل على الله، وسببًا لنيل معونته وحفظه ورعايته في الدنيا والآخرة.

مفهوم الاستعانة والاستعاذة وأهميتهما في الإسلام

مفهوم الاستعانة: لغةً طلب العون والمساعدة. وشرعًا طلب العون والمدد من الله وحده في كل الأمور، مع الاعتقاد بأنه هو المعين والمتصرف وحده، وأن العباد أسباب لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا إلا بإذنه. قال تعالى: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” (الفاتحة: 5). فتقديم العبادة على الاستعانة يدل على أن الاستعانة لا تكون إلا بعد تحقيق العبودية الخالصة لله.

مفهوم الاستعاذة: لغةً الالتجاء والتحصن. وشرعًا الالتجاء والاعتصام بالله تعالى من كل شر ومكروه، والهرب إليه من وساوس الشيطان وكيد الأعداء ومن كل ما يخاف منه العبد. قال تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” (الفلق: 1)، “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ” (الناس: 1).

أهمية الاستعانة والاستعاذة في الإسلام

  • تحقيق التوحيد: الاستعانة بالله وحده والاستعاذة به دون سواه من صميم التوحيد، لأنهما اعتراف بكمال قدرة الله وعجز المخلوق.
  • قوة التوكل على الله: الاستعانة والاستعاذة دليل على قوة توكل العبد على ربه واعتماده عليه في كل أحواله.
  • نيل معونة الله وحفظه: من استعان بالله أعانه، ومن استعاذ به حفظه ورعاه.
  • الوقاية من الشرور والمكاره: الاستعاذة بالله حصن حصين من كل شر ظاهر وباطن.
  • طرد وساوس الشيطان وكيده: الاستعاذة بالله سلاح المؤمن القوي في مواجهة الشيطان وحزبه.
  • راحة القلب وطمأنينة النفس: الاعتماد على الله والالتجاء إليه يورث القلب راحة وطمأنينة.

أنواع الاستعانة المشروعة والممنوعة

الاستعانة المشروعة: هي طلب العون من الله وحده، أو طلب العون من المخلوق فيما يقدر عليه مع الاعتقاد بأن الله هو المسخر والميسر. وتنقسم إلى:

  1. الاستعانة بالله وحده: وهي الأصل والأكمل، وتكون في كل الأمور، الدينية والدنيوية، الظاهرة والباطنة.
  2. الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه: كطلب المساعدة من شخص في حمل شيء أو قضاء حاجة يقدر عليها، مع الاعتقاد بأن الله هو الذي سخر هذا الشخص ويسر له العون. وهذا النوع جائز بشروط:
    • أن يكون المستعان به حيًا حاضرًا قادرًا على العون.
    • أن يكون الأمر المستعان فيه مما يقدر عليه المخلوق.
    • ألا يعتقد المستعين أن للمخلوق قوة ذاتية مستقلة عن قدرة الله.

الاستعانة الممنوعة (الشركية): هي طلب العون من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو الاعتقاد بأن للمخلوق قوة ذاتية مستقلة عن قدرة الله. وتنقسم إلى:

  1. الاستعانة بالأموات أو الغائبين فيما لا يقدر عليه إلا الله: كطلب الشفاء أو الرزق أو النصر منهم.
  2. الاستعانة بالجن والشياطين: لخدمة أغراض دنيوية أو إلحاق الضرر بالآخرين.
  3. الاعتماد على الأسباب مع نسيان المسبب: والاعتقاد بأن الأسباب تفعل بذاتها لا بتيسير الله.

أنواع الاستعاذة

تكون الاستعاذة بالله تعالى من كل شر ومكروه، ومن أبرز أنواعها:

  • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: قال تعالى: “وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الأعراف: 200). وتكون قبل قراءة القرآن وفي غيرها من الأحوال.
  • الاستعاذة بالله من شر المخلوقات: كشر الإنس والجن والحيوانات المؤذية ومن شر الفتن والأهواء. وقد وردت سورتا الفلق والناس للاستعاذة بالله من شرور مختلفة.
  • الاستعاذة بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال: وقد وردت هذه الاستعاذة في الأدعية المأثورة بعد التشهد في الصلاة.
  • الاستعاذة بالله من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال: وقد وردت هذه الاستعاذة في الأدعية النبوية.

مواطن الاستعاذة المستحبة والأدلة الشرعية

يستحب للمسلم الاستعاذة بالله في مواطن كثيرة، منها:

  • قبل قراءة القرآن الكريم: قال تعالى: “فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” (النحل: 98).
  • عند الوساوس الشيطانية: كما في الآية المذكورة في الاستعاذة من الشيطان.
  • في الصلاة: قبل قراءة الفاتحة وبعد التشهد.
  • عند رؤية ما يكره: أو سماع ما يكره.
  • عند الغضب: فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” (متفق عليه).
  • عند نزول البلاء والفتن: كما ورد في الأدعية المأثورة.
  • عند دخول الخلاء: “اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث”.
  • عند الفزع في النوم: “أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون”.

الأدلة الشرعية: الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الاستعانة والاستعاذة وتذكر أنواعها ومواطنها.

 

أثر الاستعانة والاستعاذة في حياة المسلم

للاستعانة والاستعاذة آثار عظيمة ومباركة في حياة المسلم:

  • قوة الإيمان واليقين: ترسخ الاستعانة والاستعاذة الإيمان بقدرة الله وعظمته واليقين بأنه وحده القادر على جلب النفع ودفع الضر.
  • الشجاعة والإقدام: عندما يستعين المسلم بالله ويستعيذ به، فإنه يشعر بالقوة والثقة ويتغلب على الخوف والجبن.
  • الصبر والتحمل: عند نزول البلاء والمصائب، يلجأ المسلم إلى الله بالاستعانة والاستعاذة، مما يعينه على الصبر والتحمل.
  • التوفيق والسداد: من استعان بالله في أموره وفقه الله وسدده.
  • الحفظ والرعاية: من استعاذ بالله حفظه الله من كل سوء ورعاه.
  • السكينة والطمأنينة: يجد المسلم الذي يستعين بالله ويستعيذ به سكينة في قلبه وطمأنينة في نفسه.
  • النجاة من الشرور والمكاره: بفضل الاستعاذة بالله، ينجو المسلم من كثير من الشرور والمكاره الظاهرة والباطنة.

الخاتمة

إن الاستعانة بالله وحده في كل الأمور والاستعاذة به من كل شر هما من أجلّ العبادات وأعظمها أثرًا في حياة المسلم. إنهما تجسيد حقيقي للتوحيد العملي والتوكل الصادق على الله تعالى. فالمؤمن الحق هو الذي يفرد الله بالاستعانة في جميع شؤونه ويلتجئ إليه وحده في دفع كل مكروه. إن التمسك بهذين الركنين العظيمين يقوي إيمان المسلم ويزيده يقينًا ويحصنه من الشرور ويجلب له الخير والبركة والتوفيق في الدنيا والآخرة. فلنحرص جميعًا على التضرع إلى الله بالاستعانة والاستعاذة في كل حين، لعله أن يشملنا برحمته وعنايته وحفظه. ونسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن شرور كل ذي شر.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث