الرقية الشرعية

مقدمة
تُعد الرقية الشرعية من الهدي النبوي الكريم والسنة المطهرة، وهي وسيلة مباركة يلجأ إليها المسلم للاستشفاء من الأمراض والأسقام الحسية والمعنوية، والتحصن من الشرور والآفات الظاهرة والباطنة. فالرقية الشرعية هي الاستعانة بالله تعالى وبكلامه وأسمائه وصفاته والأدعية المأثورة، لنيل الشفاء والتحصين، مع الاعتقاد الجازم بأن الشافي هو الله وحده وأن الرقية سبب من الأسباب لا تؤثر بذاتها. إن فهم حقيقة الرقية الشرعية وشروطها وأنواعها وضوابطها، والحرص على التمسك بها عند الحاجة والابتعاد عن الرقى الشركية والمحرمة، يُعد من علامات صدق الإيمان والتوكل على الله، وسببًا لنيل الشفاء والعافية والحفظ والرعاية.
مفهوم الرقية الشرعية ومشروعيتها
مفهوم الرقية لغةً: العوذة التي يرقى بها المريض، وهي الكلام الذي يستشفى به من الحمى والصرع وغيرهما من الآفات.
مفهوم الرقية اصطلاحًا (الرقية الشرعية): هي الاستعانة بالله تعالى وبكلامه (القرآن الكريم) وأسمائه وصفاته والأدعية المأثورة من السنة النبوية، للشفاء من الأمراض والأسقام الحسية والمعنوية، والتحصين من الشرور والآفات، مع الاعتقاد بأن الشافي هو الله وحده وأن الرقية سبب من الأسباب.
مشروعية الرقية الشرعية: تدل على مشروعيتها نصوص الكتاب والسنة والإجماع:
- من القرآن الكريم: قال تعالى: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا” (الإسراء: 82). 1 فالقرآن شفاء للأبدان والقلوب.
- من السنة النبوية: وردت أحاديث كثيرة تدل على جواز الرقية وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها وأمره بها. فعن عائشة رضي الله عنها: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسحه بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا” (متفق عليه). وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر” (رواه مسلم).
- الإجماع: أجمعت الأمة على جواز الرقية الشرعية المستوفية لشروطها.
أهمية الرقية الشرعية
- الاستشفاء بكلام الله: القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين.
- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان يرقي نفسه وأصحابه.
- التحصين من الشرور: الرقية بالأذكار والأدعية تحصن المسلم من العين والسحر والمس.
- اللجوء إلى الله عند المرض: الرقية دليل على تعلق القلب بالله والتوكل عليه في الشفاء.
- البديل الشرعي للرقى المحرمة: تغني الرقية الشرعية عن اللجوء إلى السحرة والمشعوذين.
شروط الرقية الشرعية وضوابطها
لصحة الرقية وكونها شرعية، لا بد من توافر شروط وضوابط:
- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو بالأدعية المأثورة من السنة النبوية: فلا يجوز الرقية بكلام غير مفهوم أو فيه شرك أو استعانة بالجن والشياطين.
- أن تكون باللسان العربي أو بما يفهم معناه: فلا تجوز الرقية بكلام أعجمي لا يفهم معناه لاحتمال اشتماله على محذور شرعي.
- أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بشفاء الله تعالى: فالرقية سبب من الأسباب والله هو الشافي، والاعتماد الحقيقي يكون على الله وحده.
- ألا تكون الرقية مشتملة على محرم: كالاختلاط المحرم بين الرجال والنساء الأجانب، أو كشف العورات، أو فعل محرم آخر.
أنواع الرقية الشرعية
يمكن تقسيم الرقية الشرعية إلى أنواع بناءً على فاعلها وطريقتها:
- رقية الإنسان لنفسه: وهي أفضل أنواع الرقية، حيث يرقي المسلم نفسه بكلام الله والأدعية المأثورة، فهي دليل على قوة إيمانه وتوكله على الله. وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
- رقية الغير: يجوز للمسلم أن يرقي غيره من المسلمين، سواء كانوا من أهله أو غيرهم، بشرط استيفاء الشروط والضوابط الشرعية. وقد رقى الصحابة بعضهم بعضًا ورقاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
- الرقية الجماعية: اختلف العلماء في جوازها، والأكثر على جوازها بشرط عدم حصول محذور شرعي فيها، وأن يكون القصد منها الدعاء والرجاء من الله بالشفاء.
أثر الرقية الشرعية في حفظ النفس والبدن والوقاية من الشرور
للرقة الشرعية أثر عظيم في حفظ النفس والبدن والوقاية من الشرور بإذن الله تعالى:
- الشفاء من الأمراض والأسقام: بكلام الله وأسمائه وصفاته شفاء للأمراض الحسية والمعنوية.
- التحصين من العين والسحر والمس: الرقية بالأذكار والأدعية النبوية تحصن المسلم من هذه الشرور.
- راحة البال وطمأنينة النفس: اللجوء إلى الله بالرقية يجلب الطمأنينة والسكينة للقلب.
- قوة الإيمان والتوكل: الاعتماد على الله في الشفاء يقوي الإيمان والتوكل عليه.
- الوقاية من الوقوع في الرقى المحرمة: التمسك بالرقية الشرعية يغني عن اللجوء إلى السحرة والمشعوذين.
التمييز بين الرقية الشرعية والرقى الشركية والمحرمة
يجب على المسلم أن يكون على بينة من الفرق بين الرقية الشرعية والرقى الشركية والمحرمة:
- الرقى الشركية: هي التي تشتمل على استعانة بغير الله تعالى من الجن والشياطين أو الأموات أو الأصنام، أو تتضمن ألفاظًا غير مفهومة قد تحمل معاني شركية، أو تعتمد على التمائم والطلاسم المحرمة. هذه الرقى محرمة شركًا أكبر أو أصغر بحسب الاعتقاد المصاحب لها.
- الرقى المحرمة: هي التي تستوفي ظاهرًا شروط الرقية الشرعية (كأن تكون بالقرآن أو الأدعية)، ولكنها تشتمل على محرمات أخرى كالاختلاط المحرم أو كشف العورات أو اتخاذها وسيلة للتكسب المحرم أو الاحتيال على الناس.
- الرقية الشرعية: هي التي تستوفي جميع الشروط والضوابط الشرعية المذكورة، وتكون خالصة لوجه الله تعالى.
الخاتمة
إن الرقية الشرعية سنة نبوية مباركة ووسيلة عظيمة للاستشفاء والتحصين بإذن الله تعالى. يجب على المسلم أن يتعلمها ويعمل بها عند الحاجة، وأن يحرص على استيفاء شروطها وضوابطها، وأن يتجنب الرقى الشركية والمحرمة التي قد تودي بدينه وعقيدته. فاللجوء إلى الله تعالى بكلامه وأسمائه وصفاته هو خير سلاح للمؤمن في مواجهة الأمراض والشرور، مع الاعتقاد الجازم بأن الشافي هو الله وحده. ونسأل الله تعالى أن يشفي مرضانا ويعافي مبتلانا وأن يحفظنا من كل سوء ومكروه وأن يجعلنا من المتمسكين بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.