صيام التطوع

مقدمة
تتجلى رحمة الله تعالى بعباده في تشريع أبواب الخير المتنوعة، التي يتقربون بها إليه وينالون بها رضوانه وجنته. فإلى جانب الفرائض التي كتبها الله على المسلمين، فتح لهم باب التطوع والنوافل في مختلف العبادات، ومن بينها عبادة الصيام. يُعد صيام التطوع روضة خصبة للنوافل، وسبيلًا عظيمًا للتقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض، وجبرًا لما قد يقع فيها من نقص أو خلل. إنه دليل على صدق الإيمان والرغبة الصادقة في الزيادة من الخير والارتقاء في مدارج الكمال الروحي. إن فهم فضل صيام التطوع وأنواعه المختلفة والأوقات المستحبة له، والحرص على اغتنامه لما فيه من عظيم الأجر والثواب، يُعد من علامات التوفيق والسداد في الدين.
فضل صيام التطوع وأهميته في الإسلام
لصيام التطوع فضل عظيم وأهمية بالغة في الإسلام، ويتجلى ذلك في عدة جوانب:
- التقرب إلى الله تعالى: يُعد صيام التطوع من أفضل النوافل التي يتقرب بها العبد إلى ربه بعد الفرائض، وهو دليل على محبة العبد لله ورغبته في مرضاته.
- نيل محبة الله: جاء في الحديث القدسي: “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه” (رواه البخاري). فصيام التطوع من هذه النوافل التي تقود إلى محبة الله.
- جبر نقص الفرائض: قد يقع في الفرائض نقص أو خلل، ويأتي صيام التطوع ليجبر هذا النقص ويكون سببًا في تمام الأجر وقبول الفريضة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك” (رواه أبو داود والترمذي). ويقاس على الصلاة سائر الفرائض، ومنها الصيام.
- الاعتياد على الصيام: يساعد صيام التطوع على تعويد النفس على الصيام وتهيئتها لصيام الفرض في رمضان، ويخفف مشقته على الصائم.
- زيادة الأجر والثواب: كل عمل صالح يفعله المسلم يثاب عليه، وصيام التطوع من أجلّ الأعمال الصالحة وأعظمها أجرًا.
- تزكية النفس وتهذيبها: كما أن صيام الفرض يزكي النفس، فإن صيام التطوع يساعد على زيادة هذه التزكية والارتقاء بالنفس إلى مدارج الكمال.
- الفوز بالجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا” (متفق عليه). وصيام التطوع يدخل في هذا الفضل.
أنواع صيام التطوع المشروعة والأوقات المستحبة لها
ورد في السنة النبوية أنواع متعددة من صيام التطوع وأوقات مستحبة له، منها:
- صيام ستة أيام من شوال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم). ويستحب صيامها متتابعة بعد العيد مباشرة أو متفرقة خلال شهر شوال.
- صيام يوم عرفة لغير الحاج: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (رواه مسلم).
- صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” (رواه مسلم). ويستحب صيام يوم قبله (تاسوعاء) أو يوم بعده مخالفة لليهود.
- صيام يومي الاثنين والخميس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يومي الاثنين والخميس، وسئل عن ذلك فقال: “ذان يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم” (رواه الترمذي والنسائي).
- صيام ثلاثة أيام من كل شهر (الأيام البيض): يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر” (متفق عليه).
- صيام يوم وفطر يوم (صيام داود عليه السلام): وهو أفضل صيام التطوع، وكان داود عليه السلام يصوم يومًا ويفطر يومًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا” (متفق عليه).
- صيام شهر شعبان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شهر شعبان. قالت عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان” (متفق عليه).
- الصيام في الأشهر الحرم (رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم): يستحب الإكثار من الطاعات في الأشهر الحرم، والصيام من جملة هذه الطاعات.
الأجر والثواب المترتب على صيام التطوع
يترتب على صيام التطوع أجر عظيم وثواب جزيل من الله تعالى:
- نيل محبة الله ورضوانه: كما ورد في الحديث القدسي.
- مضاعفة الحسنات: فكل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، وصيام التطوع من أجلّ الحسنات.
- الوقاية من النار والبعد عنها: كما في حديث صيام يوم في سبيل الله.
- دخول الجنة: فالصيام من أسباب دخول الجنة.
- الشفاعة يوم القيامة: قد يشفع الصيام لصاحبه يوم القيامة.
- الفرح عند الفطر ولقاء الرب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه” (متفق عليه).
أهمية صيام التطوع في تزكية النفس وتقوية الصلة بالله وجبر نقص الفرائض
- تزكية النفس وتهذيبها: يعود صيام التطوع النفس على الصبر والتحمل والسيطرة على الشهوات، ويقوي الإرادة والعزيمة، ويطهر القلب من الأحقاد والضغائن.
- تقوية الصلة بالله تعالى: يزيد صيام التطوع من إقبال العبد على الله تعالى بالذكر والدعاء والتفكر، ويقوي علاقته بربه.
- جبر نقص الفرائض: كما سبق بيانه في فضل صيام التطوع، فهو يجبر ما قد يقع في الفرائض من نقص أو خلل.
آداب مستحبة في صيام التطوع
يستحب للمسلم أن يراعي بعض الآداب عند صيام التطوع:
- الإخلاص في النية: بأن يكون الصيام خالصًا لوجه الله تعالى.
- الاحتساب: بأن يحتسب الأجر والثواب من الله تعالى.
- الاستعانة بالصيام على الطاعة: بأن يكون الصيام عونًا له على فعل الخير وترك الشر.
- تجنب المحرمات والمكروهات: من قول وفعل.
- الإكثار من الذكر والدعاء: خاصة عند الفطر.
- السحور: يستحب السحور ولو بتمرة أو شربة ماء.
- الإفطار على التمر أو الماء: اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- إطعام الطعام للصائمين: لما فيه من عظيم الأجر.
- الكتمان: يستحب كتمان صيام التطوع إلا لمصلحة.
الخاتمة
إن صيام التطوع روضة من رياض الخير، وكنز من كنوز الأجر والثواب، وسبيل عظيم للتقرب إلى الله تعالى ونيل محبته ورضوانه وجنة نعيمه. إنه فرصة سانحة للمسلم للارتقاء بنفسه وتزكيتها وجبر نقص فرائضه وزيادة حسناته. فليحرص المسلم على اغتنام هذه الأيام الفاضلة والأوقات المباركة بصيام التطوع اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وسعيًا لنيل الدرجات العلى في الجنة. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام التطوع إيمانًا واحتسابًا وأن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين.