تحرير سيناء

مقدمة

تمثل قضية سيناء جزءًا محوريًا في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فهي الأرض التي شهدت حضارات عريقة وكانت دائمًا بوابة مصر الشرقية وخط الدفاع الأول عنها. تعرضت سيناء للاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967، وبقي هذا الاحتلال جرحًا غائرًا في وجدان الأمة المصرية. لم تتوقف جهود مصر لاستعادة سيناء، فتكللت بالتضحيات الجسام في حرب أكتوبر 1973، وبالدبلوماسية الحكيمة التي أفضت إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وصولًا إلى استعادة كامل تراب سيناء برفع العلم المصري على آخر نقطة محتلة فيها، وهي طابا، عام 1989. إن تحرير سيناء لم يكن مجرد استعادة لأرض، بل كان استعادة للكرامة والعزة الوطنية، وتأكيدًا على قدرة مصر على استرداد حقوقها مهما طال الزمن وتعاظمت التحديات.

يهدف هذا البحث إلى تتبع مسيرة تحرير سيناء، بدءًا من الاحتلال الإسرائيلي لها، مرورًا بحرب أكتوبر المجيدة ودورها الحاسم في تغيير موازين القوى، وصولًا إلى المفاوضات السياسية ومعاهدة السلام واستكمال التحرير. سيسلط البحث الضوء على أهمية سيناء الاستراتيجية والتاريخية، والتضحيات التي قدمها الشعب المصري وقواته المسلحة لاستعادة هذه البقعة الغالية من أرض الوطن. كما سيتناول البحث الآثار والتداعيات الإقليمية والدولية لتحرير سيناء، ودوره في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. إن فهم قصة تحرير سيناء يمثل درسًا قيمًا في الإصرار والعزيمة والقدرة على تحقيق الأهداف الوطنية مهما كانت صعوبتها.

 

أولًا: سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي وأثر حرب 1967

في الخامس من يونيو عام 1967، شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا على مصر وسوريا والأردن، فيما عُرف بحرب الأيام الستة. أسفرت الحرب عن احتلال إسرائيل لسيناء بالكامل، بالإضافة إلى هضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. شكل احتلال سيناء ضربة قاسية لمصر، ليس فقط لفقدان جزء غال من أراضيها، بل أيضًا لما تمثله سيناء من أهمية استراتيجية كعمق دفاعي وبوابة شرقية.

عاشت سيناء خلال فترة الاحتلال تحت إدارة عسكرية إسرائيلية، وشهدت محاولات لتغيير طابعها الديموغرافي والجغرافي. قوبل الاحتلال بمقاومة شعبية من أبناء سيناء، الذين رفضوا الخضوع للأمر الواقع وحافظوا على هويتهم المصرية.

أدركت القيادة المصرية أن استعادة سيناء بالقوة المسلحة هي الخيار الاستراتيجي لتحرير الأرض واستعادة الكرامة. بدأت مصر في إعادة بناء قواتها المسلحة وتجهيزها للمعركة الفاصلة.

 

ثانيًا: حرب أكتوبر 1973 ودورها الحاسم في مسيرة التحرير

في السادس من أكتوبر عام 1973، الموافق العاشر من رمضان، شنت مصر وسوريا هجومًا منسقًا على إسرائيل في سيناء والجولان. حققت القوات المصرية في الأيام الأولى للحرب انتصارات مبهرة، تمثلت في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الدفاعي الإسرائيلي، واستعادة مساحات واسعة من سيناء.

أظهرت حرب أكتوبر بسالة الجندي المصري وقدرته على تحقيق المستحيل، وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. غيرت الحرب موازين القوى في المنطقة وأثبتت أن الحل العسكري وحده ليس كافيًا لتحقيق السلام، وفتحت الباب أمام المسار السياسي والدبلوماسي لاستعادة الأراضي المحتلة.

على الرغم من التطورات اللاحقة في الحرب والتدخلات الدولية، إلا أن حرب أكتوبر كانت نقطة تحول حاسمة في قضية سيناء، وأكدت إصرار مصر على استعادة أرضها بكل السبل.

 

ثالثًا: المسار السياسي ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية

بعد حرب أكتوبر، بدأت مساعي دبلوماسية دولية لحل الصراع العربي الإسرائيلي. لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في هذه المساعي. في عام 1977، قام الرئيس المصري أنور السادات بمبادرة تاريخية بزيارة القدس، مما فتح آفاقًا جديدة للسلام.

تكللت هذه الجهود بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، والتي أفضت إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979. نصت المعاهدة على إنهاء حالة الحرب بين البلدين، وإقامة علاقات طبيعية، وانسحاب إسرائيل الكامل من سيناء على مراحل.

كانت معاهدة السلام خطوة تاريخية شجاعة، واجهت انتقادات ومعارضة، لكنها مثلت إطارًا قانونيًا ودوليًا لاستعادة سيناء. بدأت إسرائيل في الانسحاب تدريجيًا من سيناء وفقًا للجدول الزمني المحدد في المعاهدة.

 

رابعًا: استكمال التحرير ورفع العلم المصري على طابا

على الرغم من الانسحاب الإسرائيلي المرحلي من سيناء بموجب معاهدة السلام، بقيت منطقة طابا على خليج العقبة تحت السيطرة الإسرائيلية بسبب خلافات حول علامات الحدود. لم تتوان مصر عن المطالبة باستعادة طابا، ولجأت إلى التحكيم الدولي لحسم النزاع.

في عام 1988، أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها لصالح مصر، وأكدت أحقية مصر في طابا. في 19 مارس 1989، تم رفع العلم المصري على طابا، إيذانًا باستكمال تحرير سيناء بالكامل وعودتها إلى حضن الوطن.

كان يوم تحرير طابا يومًا تاريخيًا احتفلت به مصر بأكملها، وتوجت به سنوات من النضال والتضحيات لاستعادة الأرض.

 

خاتمة

إن قصة تحرير سيناء هي قصة إصرار وعزيمة أمة، وتضحيات جيل، وحكمة قيادة. بدأت بفقدان الأرض في نكسة 1967، وتجلت فيها بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 التي غيرت مسار التاريخ، وتكللت بالدبلوماسية الهادفة والشجاعة التي أفضت إلى معاهدة السلام، واكتملت برفع العلم المصري على آخر شبر من أرض سيناء في طابا عام 1989.

لم يكن تحرير سيناء مجرد استعادة لأرض ذات أهمية استراتيجية وتاريخية، بل كان انتصارًا للكرامة الوطنية والعزة المصرية، وتأكيدًا على أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه. لقد أثبتت مصر للعالم أجمع أن الإيمان بالقضية والعمل الجاد والتضحية يمكن أن يحقق المستحيل.

تبقى ذكرى تحرير سيناء محفورة في الذاكرة الوطنية، وتُلهم الأجيال القادمة قيم الوطنية والإصرار على استعادة الحقوق والحفاظ على تراب الوطن. سيناء، الأرض المقدسة التي ارتوت بدماء الشهداء، ستبقى رمزًا للعزة والكرامة في تاريخ مصر الحديث.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث