الشهادتين

مقدمة
تُمثل الشهادتان، وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، الركن الأول وأعظم أركان الإسلام، وهما مفتاح الدخول فيه وأساس الإيمان الذي لا يقبل الله من أحد عملًا إلا بهما مجتمعتين. ليستا مجرد قول باللسان، بل هما اعتقاد جازم بالقلب وإقرار باللسان وعمل بمقتضاهما بالجوارح. إنهما جوهر دعوة الرسل جميعًا، وعليهما قامت السماوات والأرض، وبهما أنزل الله الكتب وأرسل الرسل، ولأجلهما شرع الجهاد، وبهما تنقسم الخليقة إلى مؤمنين وكافرين. إن فهم فضل هاتين الشهادتين وعظمتهما، ومعرفة شروطهما ومعناهما الحقيقي ومقتضياتهما وآثارهما على حياة المسلم، يُعدّ ضرورة حتمية لكل من أراد النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. هذا البحث يسعى إلى استجلاء عظمة هاتين الشهادتين وبيان جوانبهما المتعددة في الشريعة الإسلامية.
يهدف هذا البحث إلى التعمق في دراسة الشهادتين، بدءًا ببيان فضلهما العظيم ومكانتهما الرفيعة في الإسلام وأنهما أساس الدين كله، مرورًا بتفصيل شروط صحة كل شهادة على حدة وكيف أنهما متلازمتان لا تنفع إحداهما دون الأخرى، وشرح معناهما الحقيقي الذي يتجاوز مجرد النطق بالألفاظ ليشمل الاعتقاد واليقين، وتوضيح مقتضيات هاتين الشهادتين التي تلزم المسلم بالتوحيد الخالص والاتباع الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب حياته، واستعراض الآثار المباركة لهاتين الشهادتين على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، وانتهاءً بالتحذير من نواقضهما ومبطلاتهما. سيتناول البحث أيضًا كيف أن هاتين الشهادتين تحرران الإنسان من عبودية المخلوقين وتوجهانه إلى عبادة الخالق وحده واتباع رسوله الكريم، وكيف أنهما تمنحان الأمن والطمأنينة والهداية والقدوة الحسنة. إن فهم هاتين الشهادتين والعمل بمقتضياتهما هو سبيل السعادة والنجاة في الدارين.
فضل الشهادتين ومكانتهما في الإسلام
تتمتع الشهادتان بفضل عظيم ومكانة رفيعة في الإسلام، فهما:
- الركن الأول من أركان الإسلام: قال صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله…”. [متفق عليه].
- مفتاح الإسلام: لا يدخل أحد في الإسلام إلا بالنطق بهما مع الاعتقاد بمعناهما والعمل بمقتضاهما.
- أعظم الكلام وأفضله: قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الكلام عند الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”. [رواه مسلم]. وشهادة أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر.
- سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة: كما ورد في فضل كل شهادة على حدة، فاجتماعهما أعظم أثرًا.
- هما العروة الوثقى: قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} 1 [البقرة: 256]. والعروة الوثقى هي شهادة أن لا إله إلا الله. والإيمان بالله لا يتم إلا بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم.
- غاية الخلق وأساس الرسالات: كما سبق بيانه في فضل التوحيد والنبوة.
شروط صحة الشهادتين
لا تنفع هاتان الشهادتان قائلهما بمجرد النطق بهما، بل لا بد من تحقيق شروط كل شهادة على حدة، وهما متلازمتان لا تنفع إحداهما دون الأخرى:
- شروط شهادة أن لا إله إلا الله: (كما تم تفصيلها في بحث مستقل) العلم، اليقين، الإخلاص، الصدق، المحبة، الانقياد، القبول، الكفر بما يعبد من دون الله.
- شروط شهادة أن محمداً رسول الله: (كما تم تفصيلها في بحث مستقل) العلم، التصديق الجازم، الطاعة فيما أمر، اتباعه فيما شرع، عدم الغلو فيه، محبته، توقيره وتعظيمه.
فلا يكفي أن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وهو لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، أو يؤمن به رسولًا ولكنه لا يوحد الله ولا يعبده وحده.
معنى الشهادتين
معنى هاتين الشهادتين العظيمتين هو:
- لا إله إلا الله: نفي جميع الآلهة المعبودة من دون الله، وإثبات الألوهية الحقة لله وحده لا شريك له، وإفراده بالعبادة بجميع أنواعها.
- محمداً رسول الله: الإقرار الجازم بأن محمداً بن عبد الله هو عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق، ويستلزم طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرعه.
فهما كلمتان عظيمتان تتضمنان التوحيد الخالص لله والاتباع الكامل لرسوله صلى الله عليه وسلم.
مقتضيات الشهادتين
تقتضي هاتان الشهادتان من المسلم أمورًا عظيمة في جميع جوانب حياته:
- إفراد الله بالعبادة وعدم الشرك به شيئًا.
- اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في كل شيء.
- طاعة أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
- تصديق أخبار الله وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.
- اجتناب نواهي الله ونواهي رسوله صلى الله عليه وسلم.
- محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فوق كل شيء.
- الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين.
- الدعوة إلى الله تعالى على هدي الكتاب والسنة.
- التحاكم إلى شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
آثار الشهادتين على الفرد والمجتمع
لهاتين الشهادتين آثار مباركة وعظيمة على حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:
- على الفرد:
- تحقيق الإيمان الكامل واليقين الراسخ.
- الهداية إلى الصراط المستقيم.
- الأمن والطمأنينة وراحة البال.
- العزة والكرامة والتحرر من عبودية المخلوقين.
- الإخلاص في العمل وقبوله عند الله.
- الفوز بالجنة والنجاة من النار.
- على المجتمع:
- الوحدة والاتفاق والبعد عن الفرقة والنزاع.
- العدل والمساواة والسلام والأمن.
- التقدم والازدهار والرقي في جميع جوانب الحياة.
- القوة والمنعة في وجه الأعداء.
- حلول البركة والخير في المجتمع.
نواقض الشهادتين ومبطلاتهما
يجب على المسلم أن يحذر أشد الحذر من نواقض الشهادتين ومبطلاتهما، وهي الشرك بأنواعه الأكبر والأصغر، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء به أو بشيء من سنته، والابتداع في الدين، ومخالفة أمره صلى الله عليه وسلم، وتفضيل قول أحد على قوله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يناقض معنى الشهادتين ومقتضياتهما. الوقوع في ناقض من نواقض هاتين الشهادتين يبطلهما ويخرج صاحبه من ملة الإسلام (في الشرك الأكبر وتكذيب الرسول) أو ينقص إيمانه ويضعفه (في الشرك الأصغر والبدع والمعاصي).
خاتمة
تتجلى عظمة الشهادتين كأعظم كلمتين وأجلّ ركن في الإسلام، فهما مفتاح الدخول فيه وأساس الإيمان وسبب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. إنهما تتضمنان التوحيد الخالص لله والاتباع الكامل لرسوله صلى الله عليه وسلم. إن فهم فضلهما وشروطهما ومعناهما ومقتضياتهما وآثارهما المباركة يدفع المسلم إلى التمسك بهما والحرص عليهما وتنقيتها من كل ما يشوبهما أو ينقصهما. فنسأل الله تعالى أن يحيينا عليهما ويميتنا عليهما ويحشرنا في زمرة أهلهما، وأن يجعلنا من الذين يشهدون بهما حق الشهادة ويوفون بمقتضاهما.