أم سلمة ( رضي الله عنها )

مقدمة

تُعدّ أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، رضي الله عنها، من أبرز نساء الصحابة وأجلهن قدرًا. كانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها الأول الصحابي الجليل أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، الذي شهد بدراً وأحداً واستشهد في السنة الرابعة للهجرة متأثرًا بجراحه في غزوة أحد. تميزت أم سلمة، رضي الله عنها، برجاحة العقل وسداد الرأي وسعة العلم والفقه، وكانت من رواة الحديث الثقات الذين حفظوا لنا الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. حياتها، رضي الله عنها، كانت مليئة بالصبر على فقد الأحبة، والحكمة في تدبير الأمور، والحرص على العلم ونشره، مما جعلها قدوة حسنة للمؤمنات في كل زمان ومكان. إن تتبع سيرتها العطرة يُضيء لنا جوانب مشرقة من حياة نساء صدر الإسلام ودورهن الفاعل في بناء الأمة.

 

نسبها ونشأتها وزواجها الأول وهجرتها وصبرها على الابتلاء

تنتمي أم سلمة، رضي الله عنها، إلى بيت عريق في قبيلة قريش، فهي من بني مخزوم، أحد أشراف قريش. كان والدها أبو أمية بن المغيرة من سادات قريش المعدودين، عُرف بجوده وكرمه. نشأت أم سلمة في بيئة مرموقة وتزوجت من الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، المعروف بأبي سلمة، رضي الله عنه. كان أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام وشهد الهجرتين إلى الحبشة، حيث صبر هو وزوجته أم سلمة على الأذى والاضطهاد في سبيل الله.

عندما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، هاجرت أم سلمة مع زوجها وابنها سلمة، رضي الله عنهم جميعًا، في رحلة محفوفة بالمخاطر والصعاب. يُروى أنها تعرضت لموقف مؤلم عندما اعترضها قومها ومنعوها من الهجرة مع زوجها، ثم فرقوا بينها وبين ابنها سلمة لمدة عام كامل، مما يدل على عظيم صبرها وتحملها في سبيل الله. وبعد عام، رقّ قلب قومها عليها فسمحوا لها باللحاق بزوجها وابنها إلى المدينة، لتلتحق بركب المهاجرين وتنعم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ومكانتها في بيته

بعد وفاة أبي سلمة، رضي الله عنه، تأثر النبي صلى الله عليه وسلم لفقد هذا الصحابي الجليل، ودعا له بالخير. لما انقضت عدة أم سلمة، رضي الله عنها، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها في السنة الرابعة للهجرة. كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة تكريمًا لها ولزوجها الشهيد، وجبرًا لخاطرها بعد فقدها.

حظيت أم سلمة، رضي الله عنها، بمكانة رفيعة في بيت النبوة، وعُرفت بعقلها الراجح ورأيها السديد. كانت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي يتمتعن بعلم وفقه، وكانت تستشيره في بعض الأمور وتبدي رأيها بحكمة. يُروى أنها أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عندما تردد الصحابة في حلق رؤوسهم ونحر هديهم، فأشارت عليه بأن يبدأ هو بنفسه، فلما فعل، اقتدى به الصحابة وسارعوا إلى الامتثال لأمره. يدل هذا الموقف على فطنتها وحسن تدبيرها للأمور.

 

فضلها وعلمها وروايتها للحديث

كان لأم سلمة، رضي الله عنها، فضل عظيم وعلم واسع، فقد لازمت النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة وحفظت عنه الكثير من الأحاديث الشريفة. تُعدّ من أكثر نساء الصحابة رواية للحديث، حيث روت عنه صلى الله عليه وسلم عددًا كبيرًا من الأحاديث في مختلف أبواب الدين، كالعقيدة والعبادات والأخلاق والفضائل.

تميزت أم سلمة، رضي الله عنها، بالفقه وعمق الفهم، وكانت مرجعًا للنساء في مسائل الدين. كانت تستقبل النساء السائلات وتجيب على استفساراتهن ب علم وحكمة. يُروى أنها كانت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأحكام التي تخص النساء وتستفسر عن معاني بعض الآيات والأحاديث، مما يدل على حرصها على العلم والفقه في الدين. وقد نقلت لنا كتب السنة العديد من فتاواها وآرائها الفقهية التي تدل على سعة علمها وإدراكها العميق للشريعة الإسلامية.

 

جوانب من فقهها وحكمتها ومواقفها الدالة على عمق إيمانها

تتجلى جوانب من فقه أم سلمة، رضي الله عنها، وحكمتها في العديد من المواقف التي نُقلت عنها. فقد كانت تتمتع بفهم دقيق لأحكام الشريعة وقدرة على استنباط المعاني من النصوص. كما كانت تتميز بالصبر والحكمة في مواجهة الابتلاءات والمواقف الصعبة.

من المواقف الدالة على عمق إيمانها وحكمتها، صبرها الجميل على فقد زوجها أبي سلمة ودعاؤها الذي علمه إياها النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها”، فاستجاب الله دعاءها وأخلف لها خيرًا منه بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلم. كما يدل موقفها في الحديبية على رجاحة عقلها وحسن مشورتها.

كانت أم سلمة، رضي الله عنها، حريصة على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بها، وكانت تنكر على من يخالفها بدليل من الكتاب والسنة. عُرفت بصدقها وأمانتها وزهدها في الدنيا وحرصها على الآخرة، مما جعلها نموذجًا للمرأة المسلمة الصالحة.

 

وفاتها، رضي الله عنها، والدروس والعبر المستفادة من سيرتها

توفيت أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية، رضي الله عنها، في المدينة المنورة في السنة التاسعة والخمسين للهجرة، وكانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً. عاشت حياة مباركة مليئة بالإيمان والصبر والعلم والعمل الصالح، وتركت إرثًا عظيمًا من العلم والفقه والسيرة الحسنة.

تستلهم المرأة المسلمة المعاصرة من سيرة أم سلمة، رضي الله عنها، دروسًا وعبرًا عظيمة، منها:

  • قوة الإيمان والصبر على الابتلاء: فقد صبرت على فقد زوجها الأول وعلى فراق ابنها في سبيل الله.
  • الحرص على العلم والفقه: كانت من رواة الحديث الثقات ومن الفقيهات في الدين.
  • رجاحة العقل وسداد الرأي: أبدت آراء سديدة في مواقف مختلفة.
  • التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم: كانت حريصة على اتباعها والدعوة إليها.
  • الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة: عاشت حياة بسيطة ولم تلتفت إلى زخرف الدنيا.
  • الدور الفاعل للمرأة في بناء الأمة: كانت شريكة في الدعوة ونشر العلم.

إن دراسة سيرة أم سلمة، رضي الله عنها، تُعزز من اقتداء المرأة المسلمة بنماذج نسائية عظيمة من صدر الإسلام وتُلهمها للسعي نحو الكمال الإيماني والأخلاقي.

خاتمة

تُعدّ أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية، رضي الله عنها، قامة شامخة في تاريخ الإسلام، ونموذجًا فريدًا للمرأة المسلمة الصادقة العالمة العاملة. حياتها، رضي الله عنها، كانت مزيجًا من الصبر والحكمة والعلم والرواية الثقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. لقد تركت بصمة واضحة في تاريخ الإسلام من خلال علمها وفقهها ومواقفها الحكيمة، وظلت سيرتها العطرة نبراسًا يضيء طريق المؤمنات في كل زمان ومكان. إن التعرف على حياة هذه الصحابية الجليلة والاقتداء بها يُعزز من قوة إيماننا وتمسكنا بديننا ويُلهمنا للسعي نحو الفضل والكمال. رحم الله أم سلمة ورضي عنها وألحقنا بها في جنات النعيم.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث