اسم الله تعالى ( الكريم )

منبع الجود الذي لا ينقطع… وعطاء لا يُقابله سؤال

المقدمة

في بحر أسماء الله الحسنى تتجلّى صفات الكمال المطلق، وتشرق معاني الرحمة والقدرة والعظمة، ويظلّ كل اسم منها نافذة لفهم أعمق لذات الله عزّ وجل. ومن بين هذه الأسماء، يبرز الكريم كواحد من الأسماء التي تلامس فطرة الإنسان، وتملأ قلبه طمأنينةً ورجاءً.

فالله سبحانه وتعالى هو الكريم في ذاته وصفاته وأفعاله، كريم في عطائه، كريم في حلمه، كريم في ستره، لا يخيب من دعاه، ولا يردّ من رجاه، يُعطي من غير سؤال، ويغفر من غير حساب، ويعفو من غير استحقاق.

في هذا البحث، نغوص في معنى اسم الله الكريم، ونتأمل في دلالاته في القرآن والسنة، ونقف على مظاهر كرم الله في الخلق، والهداية، والرزق، والمغفرة، ونبيّن أثر الإيمان بهذا الاسم في حياة المسلم، وسلوكه، ودعائه، وثقته بالله.

 

معنى “الكريم” في اللغة والشرع

في اللغة:

“الكريم” في اللغة العربية هو من جمع خصال الخير، وعُرف بالعطاء والفضل بلا طلب أو مقابل، وهو أيضًا من يُعطي قبل أن يُسأل، ويعفو إذا قدر، ويتجاوز عن الزلل، ويصبر على الجفاء.

وقد يكون الكرم في المال، أو في الخُلق، أو في الجود بالمغفرة، أو في علوّ المنزلة. وكل هذه المعاني تتجمّع على أكمل وجه في الله الكريم، الذي لا يوازي كرمه كرم، ولا يبلغه وصف، ولا يحيط به عقل.

في الشرع:

اسم “الكريم” ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد وصف الله به نفسه، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ الانفطار: 6

وفي الحديث الصحيح، قال النبي ﷺ: “إن الله حييٌّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين.” رواه الترمذي

 

مظاهر كرم الله تعالى

كرم الخلق والوجود

لقد خلق الله الإنسان من عدم، وأوجده في أحسن تقويم، وسخّر له السموات والأرض، ومنحه العقل، والحواس، والروح، وهي نعم لا تُعدّ ولا تُحصى. ولم يكن للعبد فضل في ذلك، وإنما هو محض كرم من الخالق سبحانه.

كرم الرزق

يرزق الله من يشاء بغير حساب، ويفتح أبواب الرزق لعباده برّهم وفاجرهم، ويُطعِم، ويكسو، ويُغني، ويُفيض على خلقه من فضله دون منّ ولا تكلّف. قال تعالى: ﴿وَإِن يَعْدُوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ إبراهيم: 34

كرم المغفرة والستر

من أعظم مظاهر كرم الله أن يغفر الذنوب مهما عظمت، ويستر العيوب مهما كثرت، ويُمهل العاصي، ولا يعاجله بالعقوبة، بل يدعوه إلى التوبة ويُحبّها منه، ويفرح بها. قال النبي ﷺ: “لو أن العبد أذنب حتى بلغت ذنوبه عنان السماء، ثم تاب، لتاب الله عليه، ولا يبالي.”

كرم الهداية والإيمان

من كرمه تعالى أنه يبعث الرسل، وينزل الكتب، ويُرسل الآيات، ليهدي الخلق إلى طريق الحق، مع أن حاجتهم إليه، وهو غني عنهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ البقرة: 243

كرم الجزاء

لا يقتصر كرم الله على الدنيا، بل يتجلّى أعظم ما يكون في الآخرة، حيث يُضاعف الأجر، ويعفو عن الزلل، ويدخل الجنة من غير عملٍ يُوازيها. وقد ورد في الحديث القدسي: “يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر.” رواه مسلم

 

آثار الإيمان باسم الله الكريم في حياة المسلم

الثقة في عطاء الله وعدم اليأس

حين يعلم المؤمن أن ربه كريم، يطمئن قلبه، ويرتفع رجاؤه، ويُقبل على الدعاء بقلب موقن بالإجابة.

الحياء من الله

إذا كان الله كريمًا، يستحي أن يردّ دعوة العبد، أفلا يستحي العبد أن يُقصّر في حقه؟ معرفة كرم الله تُورِث حياءً رقيقًا، وخشية ممتزجة بالمحبة.

التخلّق بالكرم

من تعلّم أن الله كريم، كان حريًا أن يُجسّد صفة الكرم في تعامله مع الناس، بالعطاء، وبذل المعروف، والصفح عن الزلل، والسخاء في القول والعمل.

الصبر في البلاء

المؤمن إذا نزل به ضر أو تأخر عنه الفرج، علم أن الله كريم، لا ينسى عبده، وأن العطاء آتٍ، ولو بعد حين، فصبر ورضي، وانتظر الفرج بقلب ثابت.

 

الخاتمة

إن اسم الله الكريم ليس مجرد صفة من صفات الجمال الإلهي، بل هو نور يضيء حياة المؤمن، ويدفعه إلى الأمل بعد اليأس، والبذل بعد التردد، والثقة بعد القلق. فالله الكريم يعطي من غير حدود، ويغفر من غير شروط، ويجود بلا مقابل.

وكلما ازداد العبد معرفة بكرم الله، ازداد حبًا، ورجاءً، وقربًا، حتى يُصبح قلبه مليئًا بالرضا، ولسانه مشغولًا بالدعاء، وسلوكه مرآة لكرم خالقه في أخلاقه وتعاملاته.

فلنحمل هذا الاسم في قلوبنا، ونتعلّمه في واقعنا، وندعو الله به دائمًا: يا كريم، أكرمنا بعفوك، واسترنا بفضلك، واغمرنا بجودك، وقرّبنا إليك.

 
روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث