التمائم

مقدمة
تعتبر قضية التمائم من المسائل التي شغلت حيزًا في تاريخ البشرية، حيث ارتبطت بها معتقدات وتقاليد متنوعة تهدف إلى جلب الحظ ودفع الضر. وفي الشريعة الإسلامية، حظيت هذه المسألة باهتمام بالغ لما لها من تعلق وثيق بأصل التوحيد الخالص لله تعالى والاعتماد الكامل عليه. فالتمائم، وهي ما يعلق على الأولاد أو المرضى أو غيرهم لدفع العين أو جلب النفع أو دفع الضر، تقع في ميزان الشرع بين ما هو مشروع ومباح ضمن ضوابط محددة، وما هو محظور ومنافٍ لكمال التوحيد أو أصله. إن فهم حقيقة التمائم وأنواعها وأحكامها في الشريعة الإسلامية، والتمييز بين الرقية المشروعة والتعلق المحظور، يُعد أمرًا ضروريًا لكل مسلم يسعى لتحقيق التوحيد الخالص وتجنب الوقوع في الشرك أو وسائله.
مفهوم التمائم في اللغة والاصطلاح الشرعي
- مفهوم التمائم لغةً: جمع تميمة، وهي ما يعلق على الأولاد أو غيرهم لدفع العين أو جلب النفع أو دفع الضر. وقد تطلق على العوذ والخرز والقلائد التي تعلق لهذا الغرض.
- مفهوم التمائم اصطلاحًا: هي ما يعلقه الناس من خرز أو عظام أو جلد أو كتابات أو غير ذلك، يعتقدون أنها تدفع عنهم الشر أو تجلب لهم النفع بغير إذن الله وقدرته.
أنواع التمائم
يمكن تقسيم التمائم إلى أنواع مختلفة بناءً على المادة المصنوعة منها أو الغرض من تعليقها أو محتواها:
- التمائم المصنوعة من مواد طبيعية: كخرز العقيق والفيروز، أو عظام الحيوانات، أو جلودها، أو نباتات معينة، يعتقدون فيها قوة سحرية أو دافعة للشر.
- التمائم المكتوبة: وهي التي تحتوي على كتابات أو رسوم أو جداول أو أرقام يعتقدون أنها ذات تأثير في الحفظ أو الجلب أو الدفع. وقد تكون هذه الكتابات من القرآن أو الأدعية أو غيرها.
- التمائم المعلقة على الأولاد: يعلقها البعض على أطفالهم بزعم دفع العين أو الأمراض عنهم.
- التمائم المعلقة على المرضى: يعلقها البعض على مرضاهم رجاء الشفاء أو تخفيف الألم.
- التمائم المعلقة على البيوت أو السيارات أو الممتلكات: يعتقد البعض أنها تحفظها من الشرور أو تجلب لها البركة.
أحكام التمائم في الشريعة الإسلامية
تختلف أحكام التمائم في الشريعة الإسلامية بناءً على محتواها والاعتقاد المصاحب لتعليقها:
- التمائم التي فيها شرك أكبر: وهي التي يعتقد فيها معلقها أنها تدفع الضر أو تجلب النفع بذاتها أو بقوة مستقلة عن قدرة الله تعالى، أو التي تعلق على سبيل التقرب إلى الجن والشياطين. فهذه التمائم محرمة شركًا أكبر مخرجًا من الملة، لأنها تنافي التوحيد الخالص لله تعالى في ربوبيته وألوهيته.
- التمائم التي فيها شرك أصغر: وهي التي يعتقد فيها معلقها أنها سبب لجلب النفع أو دفع الضر، ولكن لا بذاتها بل بتيسير الله، مع عدم وجود دليل شرعي على كونها سببًا لذلك. فهذه التمائم محرمة شركًا أصغر، لأنها تعلق القلب بغير الله وتضعف التوكل عليه وتجعل المخلوق سببًا لم يجعله الله سببًا. وقد تؤدي إلى الشرك الأكبر مع مرور الوقت وتطور الاعتقاد.
- التمائم المكتوبة من القرآن الكريم أو الأدعية المشروعة: اختلف العلماء في حكم تعليقها. فمنهم من أجازها بشرط الاعتقاد بأن النفع والضر من الله وحده وأن هذه الكتابة سبب مشروع أو دعاء، ومنهم من منعها مطلقًا سدًا للذريعة وحتى لا تختلط بالتمائم الشركية، وهذا القول هو الأرجح والأحوط، لعموم النهي عن التمائم ولأن الصحابة والتابعين فهموا النهي عامًا.
الأدلة الشرعية التي تحذر من التمائم المحظورة
وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية نصوص صريحة تحذر من التعلق بالتمائم المحظورة:
- من القرآن الكريم: قال تعالى: “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (يونس: 107). هذه الآية تدل على أن النافع والضار هو الله وحده، فلا يجوز التعلق بغيره في دفع الضر أو جلب النفع.
- من السنة النبوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من تعلق تميمة فقد أشرك” (رواه أحمد). وهذا الحديث صريح في تحريم تعليق التمائم ووصفه بأنه شرك. وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: أقبل رهط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ قال: “إن عليه تميمة”، فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: “من تعلق تميمة فقد أشرك” (رواه أحمد). وهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبايع من كان عليه تميمة حتى قطعها، وبين أن تعليق التميمة شرك. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في عضد رجل حلقة من صفر فقال: “ما هذه؟” قال: من الواهنة، قال: “انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا” (رواه أحمد). وهذا الحديث يدل على النهي عن تعليق الحلق والخيوط ونحوها بزعم دفع المرض أو جلب الشفاء.
ضوابط الرقية الشرعية المشروعة
في مقابل التمائم المحظورة، أباحت الشريعة الإسلامية الرقية الشرعية المستوفية لشروطها:
- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو بما ورد في السنة النبوية من الأدعية المشروعة: فلا يجوز الرقية بكلام غير مفهوم أو فيه شرك أو استعانة بالجن والشياطين.
- أن تكون باللسان العربي أو بما يفهم معناه: فلا تجوز الرقية بكلام أعجمي لا يفهم معناه لاحتمال اشتماله على محذور شرعي.
- أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بشفاء الله تعالى: فالرقية سبب من الأسباب والله هو الشافي.
- ألا تكون الرقية مشتملة على محرم: كالاختلاط المحرم أو كشف العورات أو فعل محرم آخر.
خطر التعلق بالتمائم على التوحيد وأهمية التوكل الخالص على الله
إن التعلق بالتمائم المحظورة له خطر عظيم على توحيد العبد، لأنه ينافي الاعتماد الكامل على الله تعالى والتوكل الخالص عليه. فالتمائم تحول قلب العبد عن الله وتجعله يعلق رجاءه وخوفه بغيره من المخلوقات التي لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله. وهذا يضعف الإيمان ويفتح أبواب الشرك، قال تعالى: “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (المائدة: 23). والتوكل الحقيقي يقتضي الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار، واللجوء إليه بالدعاء والذكر والأسباب المشروعة، مع اجتناب كل ما ينافي التوحيد من التعلق بالتمائم وغيرها من الوسائل الشركية.
الخاتمة
إن قضية التمائم في الشريعة الإسلامية تدور بين ما هو مشروع من الرقية الشرعية المستوفية لشروطها، وما هو محظور من التعلق بغير الله تعالى في جلب النفع أو دفع الضر. فالتمائم المحظورة، سواء كانت شركًا أكبر أو أصغر، محرمة لما فيها من منافاة للتوحيد وإضعاف للتوكل على الله. أما الرقية الشرعية فهي جائزة ومستحبة بشروطها، لأنها استعانة بالله وبكلامه وأسمائه وصفاته. فيجب على المسلم أن يحرص على تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى في جميع شؤونه، وأن يتجنب التعلق بالتمائم وغيرها من الوسائل الشركية، وأن يلجأ إلى الله وحده بالدعاء والذكر والتوكل والأسباب المشروعة في طلب الحفظ والعافية والشفاء. ونسأل الله تعالى أن يعافينا ويحفظنا وأن يرزقنا التوحيد الخالص والتوكل الحق عليه.