عقيدة المسلمين في الملائكة عليهم السلام

مقدمة
يُعد الإيمان بالملائكة عليهم السلام ركنًا أصيلًا من أركان الإيمان في الإسلام، فلا يصح إيمان عبد إلا بالإيمان بوجودهم، وبأنهم خلق من خلق الله، اصطفاهم لطاعته وتنفيذ أوامره في الكون. يؤمن المسلمون بأن الملائكة مخلوقات نورانية عظيمة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم موكلون بأعمال عظيمة في الكون وفي حياة الإنسان. يُجلّ المسلمون الملائكة ويحبونهم لما يقومون به من وظائف بأمر الله، إلا أن عقيدة المسلمين فيهم تقف بصلابة ضد أي شكل من أشكال الغلو أو تجاوز الحد في تعظيمهم، كاعتقاد البعض بألوهيتهم أو عبادتهم من دون الله أو اتخاذهم وسائط مستقلة بين الله وخلقه. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الملائكة كما حذر من الغلو في الأنبياء والصالحين، لأن ذلك يُعد انحرافًا عن التوحيد الخالص ووقوعًا في الشرك الذي هو أعظم الذنوب. إن فهم العقيدة الإسلامية الصحيحة في الملائكة عليهم السلام، وبيان حقيقتهم ووظائفهم ومكانتهم، والتحذير من تجاوز الحد في تعظيمهم وعبادتهم، يمثل ضرورة لكل مسلم يسعى للاعتدال في دينه وتجنب الغلو والتقصير على حد سواء، والوقوف على الحق كما أنزله الله تعالى.
حقيقة الملائكة عليهم السلام ومكانتهم في الإسلام
يؤمن المسلمون بأن الملائكة عليهم السلام هم خلق عظيم من خلق الله، خلقهم الله من نور، وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. لهم مكانة عظيمة في الإسلام تتجلى في جوانب عديدة:
- خلق من خلق الله: هم جزء من عالم الغيب الذي يجب الإيمان به تصديقًا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
- عباد مكرمون: وصفهم الله تعالى بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأنبياء: 26-27).
- قوة عظيمة وقدرة فائقة: منحهم الله قوة عظيمة وقدرة على تنفيذ أوامره في الكون. قال تعالى عن جبريل عليه السلام: {ذُو قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (التكوير: 20).
- أعدادهم الكثيرة: لا يعلم عدد الملائكة إلا الله تعالى. قال تعالى في وصف البيت المعمور: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (الطور: 4-6)، وقد ورد في الحديث أن سبعين ألف ملك يدخلونه كل يوم ثم لا يعودون إليه أبدًا.
- موكلون بأعمال عظيمة: يقوم الملائكة بوظائف جليلة في الكون وفي حياة الإنسان بأمر الله، كحمل العرش، والنزول بالوحي، وحفظ الإنسان، وكتابة الأعمال، وقبض الأرواح، وغيرها.
الأدلة من القرآن والسنة على وجود الملائكة وحقيقتهم ووظائفهم
وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة آيات وأحاديث كثيرة تدل على وجود الملائكة وحقيقتهم ووظائفهم وأسمائهم:
من القرآن الكريم:
- الإخبار عن وجودهم: في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: 285).
- وصفهم: كما في الآيات المذكورة في النقطة الأولى.
- ذكر وظائفهم: كنزول الوحي (جبريل)، وحفظ الإنسان (المعقبات)، وكتابة الأعمال (الكرام الكاتبين)، وقبض الأرواح (ملك الموت وأعوانه).
- ذكر أسمائهم: كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك.
من السنة النبوية الشريفة:
- وصف النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام في صورته الحقيقية.
- الإخبار عن وظائفهم بالتفصيل.
- ذكر بعض أسمائهم وصفاتهم.
- الإخبار عن أعدادهم الكثيرة.
التحذيرات الشديدة من الغلو في الملائكة وعبادتهم من دون الله
حذر الإسلام بشدة من الغلو في الملائكة وعبادتهم أو اتخاذهم أربابًا أو شركاء لله، لما في ذلك من محادة لله تعالى ووقوع في الشرك الأكبر:
- النهي عن عبادتهم أو دعائهم من دون الله: قال تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 80).
- بيان أنهم عباد مخلوقون: أكد القرآن الكريم على أن الملائكة هم عباد لله لا يستحقون العبادة. قال تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: 29).
- ذم من اتخذهم أربابًا: ذم الله تعالى في القرآن الكريم من اتخذ الملائكة أو الأنبياء أربابًا من دونه. قال تعالى: {أَتَّخَذْنَاكُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا سُبْحَانَكَ بَلْ كَانُوا عِبَادًا مُكْرَمِينَ} (الأنبياء: 26).
صور الغلو في الملائكة التي وقعت فيها بعض الأمم أو الأفراد
لقد وقعت بعض الأمم أو الأفراد في صور من الغلو في الملائكة تجاوزت الحد الشرعي، ومن أبرز هذه الصور:
- اعتقاد ألوهيتهم أو أنهم أبناء الله: كما زعمت بعض الأمم الجاهلية.
- عبادتهم من دون الله: بالدعاء والاستغاثة بهم والتوجه إليهم بالعبادات التي لا تستحق إلا لله.
- اتخاذهم وسائط مستقلة بين الله وخلقه: بالاعتقاد بأنهم يقربون إلى الله بذواتهم أو بجاههم دون إذن الله وشرعه.
- تصويرهم وتجسيدهم: مما قد يؤدي إلى عبادتهم أو اتخاذهم أوثانًا.
- المبالغة في وصفهم بصفات لا تليق إلا بالله تعالى.
وقد بين الإسلام بوضوح بطلان هذه المعتقدات وأنها تنافي التوحيد الخالص الذي جاء به جميع الأنبياء.
الموقف الإسلامي الوسطي الذي يؤمن بالملائكة ويكرمهم مع إفراد الله بالعبادة
يتميز موقف أهل السنة والجماعة تجاه الملائكة عليهم السلام بالاعتدال والتوازن، فهم يؤمنون بوجودهم وحقيقتهم ووظائفهم ويكرمونهم ويجلونهم لما يقومون به من طاعة لله وتنفيذ لأوامره، وفي الوقت نفسه يفردهم بالعبادة وحده لا شريك له. يتجلى هذا الموقف الوسطي في:
- الإيمان بوجودهم كما ورد في الكتاب والسنة.
- محبتهم وتوقيرهم وإجلالهم لما هم عليه من طاعة لله وقوة في تنفيذ أمره.
- الاعتراف بقدرتهم التي منحهم الله إياها مع إدراك أنهم مُسخرون بأمره.
- رفض الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم المخلوقة.
- إفراد الله وحده بالعبادة والدعاء والاستعانة والتوكل والنذر والذبح.
- الحذر من اتخاذهم وسائط مستقلة بين العبد وربه.
أهمية الفهم الصحيح لعقيدة المسلمين في الملائكة في الحفاظ على نقاء التوحيد
إن الفهم الصحيح لعقيدة المسلمين في الملائكة عليهم السلام هو سياج منيع يحمي التوحيد من الشرك. فعندما يدرك المسلم حقيقة الملائكة وأنهم عباد مُكرمون مُسخرون لأمر الله، فإنه يؤمن بهم ويوقرهم دون أن يرفعهم إلى مرتبة الألوهية أو يصرف لهم شيئًا من أنواع العبادة التي لا تستحق إلا لله وحده. إن الوقوع في الغلو في الملائكة هو من صور الشرك التي حذر منها الإسلام، وقد وقعت فيها بعض الأمم الجاهلية. لذا، فإن تعليم المسلمين العقيدة الصحيحة في الملائكة وبيان حقيقتهم ووظائفهم والتحذير من الغلو فيهم هو من أهم الواجبات للحفاظ على سلامة العقيدة ونقاء التوحيد.
الخاتمة
إن الملائكة عليهم السلام هم خلق عظيم من خلق الله، وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم موكلون بأعمال عظيمة في الكون وفي حياة الإنسان. يجب على كل مسلم أن يؤمن بوجودهم وحقيقتهم ووظائفهم ويكرمهم ويجلهم. إلا أن هذا الإيمان والتوقير يجب أن يبقى في حدوده المشروعة دون غلو أو تجاوز، مع إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الملائكة وعبادتهم أو اتخاذهم أربابًا من دون الله. إن الموقف الإسلامي الصحيح هو الإيمان بالملائكة وتوقيرهم مع إفراد الله بالعبادة، وهذا هو سبيل النجاة والفلاح. فلنسع جميعًا إلى فهم هذه العقيدة الصحيحة والعمل بمقتضاها، سائلين الله تعالى أن يرزقنا الإيمان الحق والاتباع السليم لهديه وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحفظنا من الغلو والتقصير والوقوع في الشرك. إن اتباع الحق كما أنزله الله هو سبيل الرشاد والهداية.