جمع التكسير

مقدمة
تتميز اللغة العربية بنظام دقيق لتكوين الجموع، حيث تتعدد الطرق التي يُشار بها إلى أكثر من اثنين من الأسماء والأوصاف. يُعدّ جمع التكسير أحد أبرز هذه الطرق، ويختلف عن جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم في كونه لا يعتمد على إضافة لاحقة ثابتة إلى المفرد، بل يقوم على تغيير بنية الكلمة المفردة ذاتها بأنماط وأوزان متنوعة. هذا التغيير في البنية لا يقتصر على شكل الكلمة فحسب، بل قد يحمل دلالات معنوية وبلاغية دقيقة. يُعدّ فهم جمع التكسير وأوزانه وأنواعه وأغراضه البلاغية أمرًا ضروريًا لإتقان اللغة العربية واستيعاب دلالات ألفاظها وتراكيبها المتنوعة. هذا البحث يسعى إلى استكشاف عالم جمع التكسير في اللغة العربية وبيان جوانبه المختلفة وأهميته في التعبير.
مفهوم جمع التكسير وأهميته
جمع التكسير هو نوع من أنواع الجموع في اللغة العربية يدل على أكثر من اثنين أو اثنتين بتغيير في بنية الكلمة المفردة، سواء أكان هذا التغيير بزيادة حروف أو نقصانها أو تغيير حركاتها أو ترتيبها، أو مزيج من هذه التغييرات، وذلك بخلاف جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم اللذين يعتمدان على إضافة لاحقة ثابتة مع بقاء بنية المفرد سالمة.
تكمن أهمية جمع التكسير في:
- التعبير عن الكثرة والقلة: يمتلك جمع التكسير نظامًا دقيقًا للتعبير عن العدد القليل (جمع القلة) والعدد الكثير (جمع الكثرة)، مما يضفي دقة على المعنى.
- إثراء اللغة وتنوعها: يسهم تنوع أوزان جمع التكسير في إثراء اللغة العربية وتلوين التعبير.
- الدلالات البلاغية: قد يحمل اختيار وزن معين من أوزان جمع التكسير دلالات بلاغية خاصة بالسياق.
- الشيوع والاستخدام: الكثير من الكلمات العربية الشائعة لها جموع تكسير هي الأكثر استخدامًا.
أوزان جمع التكسير
تتعدد أوزان جمع التكسير وتُقسم إلى قسمين رئيسيين: أوزان قياسية وأوزان سماعية.
الأوزان القياسية: هي الأوزان التي يمكن تطبيقها على مجموعة من الكلمات التي تشترك في بنية معينة. من أبرزها:
- أَفْعُل: لجمع الاسم الثلاثي الصحيح العين الساكن اللام. (مثل: بَحْر ← أَبْحُر، نَهْر ← أَنْهُر)
- أَفْعَال: لجمع الاسم الثلاثي الصحيح العين المتحرك اللام أو المعتل العين. (مثل: جَمَل ← أَجْمَال، بَاب ← أَبْوَاب)
- فُعُل: لجمع الاسم الثلاثي المضموم الأول المضموم الثاني أو المضموم الأول المفتوح الثاني. (مثل: كُتُب ← كُتُب، رُسُل ← رُسُل)
- فِعَال: لجمع الاسم الثلاثي الصحيح العين أو المعتل العين إذا كان يدل على صوت أو داء أو حرفة. (مثل: صُرَاخ ← صُرَاخ، سُعَال ← سُعَال، حِرَاث ← حِرَاث)
- فُعَّال: لجمع الاسم الدال على حرفة أو مهنة. (مثل: تَاجِر ← تُجَّار، صَانِع ← صُنَّاع)
- فَعَلَة: لجمع الاسم الدال على جماعة. (مثل: كَافِر ← كَفَرَة، سَاحِر ← سَحَرَة)
- فِعْلَة: لجمع الاسم الدال على نوع أو هيئة. (مثل: قِتْلَة، جِلْسَة)
- أَفْعِلَة: لجمع الاسم الرباعي الذي ليس فيه ياء قبل الآخر. (مثل: طَعَام ← أَطْعِمَة، شَرَاب ← أَشْرِبَة)
- فَعَائِل: لجمع الاسم الرباعي الذي فيه ياء قبل الآخر. (مثل: رَسَائِل، عَجَائِب)
- أَفَاعِل: لجمع الاسم الرباعي الذي يبدأ بهمزة وصل. (مثل: أَصَابِع، أَشَاعِر)
- فَوَاعِل: لجمع الاسم الرباعي الذي يبدأ بميم زائدة. (مثل: مَسَاجِد، مَوَاعِظ)
- فَعَالَى: لجمع الاسم الرباعي أو الخماسي الذي فيه ألف بعد حرفين أو ثلاثة. (مثل: صَحَارَى، قَتَالَى)
الأوزان السماعية: هي الأوزان التي لا تخضع لقاعدة ثابتة وتُحفظ كما وردت في اللغة. وهي كثيرة ومتنوعة، ومن أمثلتها:
- فُعْل: (مثل: فُلْك ← فُلْك، ذِئْب ← ذُؤْب)
- فِعْل: (مثل: كَلْب ← كِلَاب، سَهْم ← سِهَام)
- فُعْلَان: (مثل: غُرَاب ← غُرْبَان، شُجَاع ← شُجْعَان)
- فَعْلَان: (مثل: عَطْشَان ← عَطْشَى، جَوْعان ← جَوْعى)
- فُعَلَاء: (مثل: فَقِير ← فُقَرَاء، غَنِيّ ← أَغْنِيَاء)
- أَفْعِلَاء: (مثل: وَزِير ← وُزَرَاء، نَبِيّ ← أَنْبِيَاء)
- وغيرها الكثير من الأوزان التي تُعرف بالاستقراء والسماع.
أنواع جمع التكسير (جمع القلة وجمع الكثرة)
يُقسم جمع التكسير من حيث دلالته العددية إلى نوعين: جمع القلة وجمع الكثرة.
- جمع القلة: يدل على عدد قليل يتراوح بين ثلاثة وعشرة. له أربعة أوزان قياسية:
- أَفْعُل: (مثل: أَشْهُر، أَنْفُس، أَعْيُن)
- أَفْعَال: (مثل: أَبْوَاب، أَحْوَال، أَجْدَاد)
- أَفْعِلَة: (مثل: أَسْلِحَة، أَزْمِنَة، أَفْئِدَة)
- فِعْلَة: (مثل: صِبْيَة، فِتْيَة، إِخْوَة)
- جمع الكثرة: يدل على عدد كثير يتجاوز العشرة. له أوزان قياسية وسماعية كثيرة ومتنوعة، منها ما سبق ذكره في أوزان جمع التكسير القياسية والسماعية التي تدل على الكثرة في الغالب. من أبرز أوزان جمع الكثرة:
- فُعُل: (مثل: كُتُب، رُسُل)
- فِعَال: (مثل: رِجَال، جِبَال)
- فُعَّال: (مثل: تُجَّار، عُمَّال)
- فَعَلَة: (مثل: كَفَرَة، سَحَرَة)
- فَوَاعِل: (مثل: مَسَاجِد، مَوَاعِظ)
- فَعَائِل: (مثل: رَسَائِل، عَجَائِب)
- فُعَلَاء: (مثل: فُقَرَاء، عُلَمَاء)
- وغيرها الكثير من الأوزان.
قد تستخدم بعض الكلمات جمع القلة للدلالة على الكثرة والعكس، وذلك بحسب السياق والمراد.
الأغراض البلاغية لاستخدام جمع التكسير
قد يحمل اختيار جمع التكسير بدلاً من الجمع السالم في بعض السياقات أغراضًا بلاغية، منها:
- التنويع في الأسلوب: استخدام جمع التكسير يكسر رتابة استخدام الجمع السالم ويضفي على الكلام جمالًا وتنوعًا.
- الدلالة على الكثرة أو القلة المقصودة: اختيار وزن جمع القلة أو جمع الكثرة قد يكون مقصودًا للدلالة على عدد محدد يريده المتكلم.
- إبراز معنى معين في الكلمة: قد يحمل وزن معين من أوزان جمع التكسير دلالة إضافية أو معنى ضمنيًا يريده المتكلم إبرازه.
- الملاءمة الصوتية والإيقاعية: قد يختار المتكلم وزن جمع التكسير لملاءمته للسياق الصوتي والإيقاعي للكلام.
- التعبير عن الشدة أو الكثرة المبالغ فيها: بعض أوزان جمع الكثرة قد تستخدم للتعبير عن كثرة شديدة أو مبالغ فيها.
التعامل مع الجموع المحتملة (تكسير أم سالم)
قد تحتمل بعض الكلمات أن تكون جمع تكسير أو جمعًا سالمًا (خاصة جمع المؤنث السالم الذي ينتهي بالألف والتاء). في هذه الحالة، يتم الرجوع إلى القرائن اللفظية والمعنوية والسياقية لتحديد النوع المقصود. على سبيل المثال:
- إذا كانت الكلمة تدل على مؤنث أو ما يعامل معاملة المؤنث في الغالب، فالأرجح أنها جمع مؤنث سالم.
- إذا كانت الكلمة تدل على مذكر عاقل أو صفته وتغيرت بنيتها عند الجمع، فهي جمع تكسير.
- قد يساعد السياق في تحديد العدد المقصود (قلة أو كثرة) وبالتالي ترجيح أحد النوعين.
- قد يكون الاستخدام الشائع للكلمة في اللغة هو الفيصل في تحديد نوع الجمع.
خاتمة
يُعدّ جمع التكسير نظامًا ثريًا ومتنوعًا في اللغة العربية لتكوين الجموع، حيث يعتمد على تغيير بنية المفرد بأنماط وأوزان قياسية وسماعية للدلالة على الكثرة والقلة. يحمل هذا النظام دلالات نحوية وبلاغية دقيقة تسهم في إثراء المعنى وتلوين التعبير. إن فهم أوزان جمع التكسير وأنواعه وأغراضه البلاغية وكيفية التعامل مع الجموع المحتملة يُعدّ ضروريًا لإتقان اللغة العربية واستيعاب دلالات ألفاظها وتراكيبها المتنوعة. يعكس نظام جمع التكسير جانبًا من جوانب جمال اللغة العربية وقدرتها على التعبير عن المعاني الدقيقة من خلال تغيير الصيغ والأوزان، مما يجعلها لغة حية ومتجددة.