شروط الصلاة وأركانها
الصلاة صلة بين العبد وربه، لا تقوم إلا على طهارة الظاهر وصدق الباطن

المقدمة
الصلاة هي عماد الدين، وركنه الأوثق بعد الشهادتين، وهي الركن العملي الأعظم في الإسلام، والوسيلة الأولى التي تربط بين العبد وخالقه، وهي أول ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت خاب وخسر.
وقد فرضها الله تعالى على نبيه محمد ﷺ في ليلة الإسراء والمعراج، دون واسطة، وفي السماء، لتدل على منزلتها العظيمة في الإسلام، فهي ليست مجرد أفعال ظاهرية، بل عبادة قلبية وروحية وجسدية متكاملة.
لكن هذه العبادة العظيمة لا تُقبل ولا تصح إلا إذا استوفت شروطها وأركانها، كما بيّنها النبي ﷺ وعلّمها لأصحابه. فالشروط هي المقدمات اللازمة قبل الدخول في الصلاة، أما الأركان فهي الأفعال الأساسية داخل الصلاة نفسها، والتي لا يتم الركن إلا بها، ولا تُعفى في حال النسيان أو الجهل.
في هذا البحث، نتناول شروط الصلاة وأركانها بتوسّع علمي، وبلغة واضحة، نوضح بها المقصود بكل شرط وركن، مع ذكر أهميته وحكمة تشريعه، حتى يكون المسلم على بصيرة في عبادته، ويؤدي صلاته كاملة صحيحة كما أرادها الله ورسوله.
شروط الصلاة
الشروط هي الأمور التي لا تصح الصلاة بدونها، وهي سابقة على الدخول في الصلاة، فإذا اختلّ أحدها بطلت الصلاة.
- الإسلام: فالصلاة عبادة لا تُقبل إلا من مسلم، لأن غير المسلم لا تُقبل منه عبادة حتى يُسلم، قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ التوبة: 54
- العقل: فالمجنون مرفوع عنه التكليف، لقوله ﷺ: “رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.” رواه أبو داود
- البلوغ: لا تجب الصلاة على الصغير، لكنها تُؤمر بها تدريجيًا، فقال النبي ﷺ: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر.” رواه أبو داود
- الطهارة من الحدث: لا تُقبل الصلاة إلا بطهارة كاملة من الحدثين الأصغر (الوضوء) والأكبر (الغُسل)، لقوله ﷺ: “لا تُقبل صلاة بغير طهور.” رواه مسلم
- إزالة النجاسة: يجب إزالة النجاسة من ( البدن – الثوب – مكان الصلاة ) لحديث خلع النبي ﷺ نعليه في الصلاة لما أخبره جبريل أن بهما أذًى.
- ستر العورة: يجب على المصلي ستر عورته، وهي: للرجل: من السرة إلى الركبة – للمرأة: جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين. قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ الأعراف: 31
- دخول الوقت: لا تصح الصلاة قبل دخول وقتها. قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ النساء: 103
- استقبال القبلة: يشترط التوجّه إلى الكعبة، إلا في حال الخوف أو المرض الشديد أو في السفر على الدابة، قال تعالى:﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ البقرة: 144
أركان الصلاة
الأركان هي الأجزاء الأساسية للصلاة التي لا تصح بدونها، ولا تُجبر بسجود السهو إذا تُركت عمدًا أو سهوًا.
- القيام مع القدرة: يجب على القادر أن يصلي قائمًا، فإن عجز صلى جالسًا، لقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ البقرة: 238
- تكبيرة الإحرام: وهي قول “الله أكبر” عند بدء الصلاة، وهي ركن لا تنعقد الصلاة بدونه، ويجب التلفظ بها.
- قراءة الفاتحة: لقوله ﷺ:”لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.”رواه البخاري
- الركوع: الانحناء مع تعظيم الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ الحج: 77
- الرفع من الركوع: يجب أن يستقيم المصلي بعد الركوع قبل النزول للسجود.
- السجود: أن يضع المصلي جبهته على الأرض، ومعها الكفين والركبتين وأطراف القدمين.
- الجلوس بين السجدتين: بطمأنينة واعتدال، والدعاء فيه: “رب اغفر لي، رب اغفر لي”.
- الطمأنينة في كل ركن: وهي السكون لحظة في كل حركة، فقد قال النبي ﷺ للمسيء صلاته: “ثم اركع حتى تطمئن راكعًا…”
- التشهد الأخير: في الجلوس الأخير من الصلاة.
- الجلوس للتشهد: ويجب أن يكون بقدر التشهد والصلاة على النبي ﷺ.
- الصلاة على النبي ﷺ: في التشهد الأخير.
- التسليم: بأن يقول: “السلام عليكم ورحمة الله” عن اليمين، وهذا يُخرج المصلي من الصلاة.
- الترتيب بين الأركان: فالركن لا يُقدَّم ولا يُؤخَّر، مثلًا لا يصح أن يسجد قبل أن يركع.
الفرق بين الشروط والأركان
- الشروط: خارج الصلاة، تسبقها، ولا تصح الصلاة إلا بها.
- الأركان: داخل الصلاة، لا تُقبل الصلاة إذا ترك منها شيء عمدًا أو سهوًا.
الخاتمة
الصلاة ليست مجرد طقوس شكلية، بل عبادة قلبية وجسدية تحتاج إلى عناية بالنية والشروط والأركان، حتى تؤدي ثمارها في تهذيب النفس، وربط القلب بالله. فإن أخلّ الإنسان بشرط أو ركن، نقصت صلاته أو بطلت، وكان بذلك مُقصّرًا في حق ربه.
وإن فهم المسلم هذه الشروط والأركان، وأداها بإخلاص وخشوع، فإن صلاته ستكون نورًا له في الدنيا، ونجاة له في الآخرة، كما قال النبي ﷺ: “الصلاة نور.” فلنُقبِل على الصلاة بعلم وفهم وخشية، ونسعى لأدائها كما أُمرنا، حتى نكون ممن قيل فيهم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون: 1-2