المفعول لأجله

مقدمة
تتميز اللغة العربية بدقتها في التعبير عن المعاني المختلفة من خلال أدواتها النحوية المتنوعة. ومن بين هذه الأدوات، يبرز “المفعول لأجله” كعنصر أساسي في التركيب الجملي، حيث يؤدي وظيفة دلالية مهمة تتمثل في بيان سبب وقوع الفعل أو الغاية منه. فهم المفعول لأجله وشروطه وأحكامه الإعرابية يسهم في إتقان قواعد اللغة العربية وتعزيز القدرة على التعبير بدقة ووضوح. إنه ليس مجرد اسم منصوب يذكر في الجملة، بل هو رابط دلالي يكشف عن الدافع الكامن وراء الفعل أو الهدف المنشود منه. هذا البحث يسعى إلى تقديم دراسة شاملة للمفعول لأجله، بدءًا بتعريفه وشروطه الأساسية، مرورًا بأنواعه وأحكامه الإعرابية المتنوعة، وصولًا إلى دوره في إثراء المعنى وتوضيح العلاقات السببية والغاية في الجملة العربية.
تعريف المفعول لأجله وشروطه الأساسية
لتأسيس فهم دقيق لمفهوم المفعول لأجله، لا بد من تعريفه وتحديد الشروط الأساسية التي يجب توافرها لاعتبار الاسم مفعولًا لأجله.
تعريف المفعول لأجله: يُعرف المفعول لأجله في علم النحو بأنه اسم منصوب يذكر في الجملة الفعلية لبيان سبب وقوع الفعل أو العلة منه أو الغاية من إيقاعه. ويُسأل عنه بـ “لماذا؟”.
شروط المفعول لأجله: يشترط النحاة توافر أربعة شروط أساسية في الاسم لكي يُعرب مفعولًا لأجله:
- أن يكون مصدرًا: يجب أن يكون المفعول لأجله مصدرًا قلبيًا، أي يدل على معنى من معاني القلوب والمشاعر والأحاسيس الداخلية مثل: حبًا، كرهًا، خوفًا، رجاءً، طمعًا، إجلالًا، ابتغاءً، محافظةً، تأديبًا، تشجيعًا، انتقامًا، وغيرها.
- أن يكون قلبيًا (معنويًا): بالإضافة إلى كونه مصدرًا، يجب أن يكون هذا المصدر دالًا على فعل من أفعال القلب أو ما يشبهها من الدوافع الباطنية.
- أن يشارك الفعل في الزمان: يجب أن يكون زمن وقوع المصدر (المفعول لأجله) متفقًا مع زمن وقوع الفعل المذكور في الجملة. أي أن الدافع أو الغاية يكون مصاحبًا للفعل في وقته.
- أن يشارك الفعل في الفاعل (غالبًا): في الغالب، يكون فاعل الفعل هو نفسه صاحب الدافع أو الغاية المذكورة في المفعول لأجله. وقد يجوز اختلاف الفاعل في بعض الحالات بتأويل.
أنواع المفعول لأجله وأحكامه الإعرابية
المفعول لأجله المجرد من “أل” والإضافة: وهو الأصل في المفعول لأجله، ويكون منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (إذا كان مفردًا) أو ما ينوب عنها. مثال: “ذاكرتُ دروسي رغبةً في النجاح.” (رغبةً: مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة).
المفعول لأجله المضاف: يأتي المفعول لأجله مضافًا إلى اسم آخر، ويكون منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (إذا كان مفردًا) أو ما ينوب عنها، ويكون الاسم المضاف إليه مجرورًا. مثال: “قمتُ إجلالَ العلمِ.” (إجلالَ: مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، العلمِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة).
المفعول لأجله المقرون بـ “أل”: إذا اقترن المفعول لأجله بـ “أل”، فإنه يبقى منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (إذا كان مفردًا) أو ما ينوب عنها. مثال: “عاقبتُ المسيءَ التأديبَ.” (التأديبَ: مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة).
حكم الجر بحرف العلة: يجوز جر المفعول لأجله بحرف العلة “لام” التعليل، وفي هذه الحالة يعرب اسمًا مجرورًا وعلامة جره الكسرة الظاهرة. مثال: “ذاكرتُ دروسي للنجاحِ.” (للنجاحِ: اللام حرف جر، النجاحِ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة). وفي هذه الحالة، يفقد الاسم وظيفته كمفعول لأجله ويعرب اسمًا مجرورًا يدل على السببية أو الغاية.
دلالة المفعول لأجله على السببية والغاية
تتجلى الوظيفة الأساسية للمفعول لأجله في بيان السبب وراء وقوع الفعل أو الغاية المتوخاة منه.
الدلالة على السببية (العلة): في هذه الحالة، يكون المفعول لأجله هو الدافع المباشر أو العلة الحقيقية لوقوع الفعل. ويجيب عن السؤال “لماذا وقع الفعل؟”. مثال: “قمتُ إجلالًا للمعلم.” (سبب القيام هو الإجلال). “تصدقتُ ابتغاءً لمرضاة الله.” (سبب التصدق هو ابتغاء مرضاة الله).
الدلالة على الغاية (الهدف): في هذه الحالة، يكون المفعول لأجله هو الهدف أو المقصد الذي من أجله وقع الفعل. ويجيب عن السؤال “لماذا فعلت ذلك؟” أو “ما الغاية من هذا الفعل؟”. مثال: “سافرتُ استجمامًا.” (الغاية من السفر هي الاستجمام). “تعلمتُ إتقانًا للغة.” (الغاية من التعلم هي إتقان اللغة).
التداخل بين السببية والغاية: في بعض الأحيان، قد يتداخل معنى السببية والغاية في المفعول لأجله، حيث يكون الدافع هو نفسه الهدف المنشود. مثال: “عاقبتُ الولدَ تأديبًا له.” (التأديب هو سبب العقاب والغاية منه في الوقت نفسه).
شروط جواز حذف المفعول لأجله
قد يحذف المفعول لأجله من الجملة في بعض الحالات التي تفهم من السياق أو القرائن.
الشهرة والوضوح: إذا كان المفعول لأجله مشهورًا أو واضحًا من سياق الكلام، جاز حذفه. مثال: “أُدِّبَ المسيءُ.” (المفعول لأجله “تأديبًا” محذوف لأنه مفهوم من فعل التأديب).
العوض عنه: إذا وجد في الجملة ما يدل على سبب الفعل أو الغاية منه ويعوض عن المفعول لأجله، جاز حذفه. مثال: “ذاكرتُ لأنجحَ.” (المصدر المؤول “لأنجح” يعوض عن المفعول لأجله “رغبةً في النجاح”).
الوقوع بعد فعل يدل عليه: إذا كان الفعل نفسه يدل على معنى السبب أو الغاية، جاز حذف المفعول لأجله. مثال: “أكرمتُ الضيفَ.” (الفعل “أكرمت” يدل على سبب الفعل وهو الرغبة في إكرامه).
الفرق بين المفعول لأجله وغيره من المنصوبات الدالة على العلة
قد يلتبس المفعول لأجله بغيره من المنصوبات التي تدل على العلة أو السبب، لذا من المهم التمييز بينها.
- الحال السببية: الحال السببية تبين هيئة صاحب الحال وقت وقوع الفعل مع الدلالة على سبب هذه الهيئة، بينما المفعول لأجله يبين سبب وقوع الفعل نفسه. مثال: “جاء الطالبُ مسرورًا بنجاحه.” (مسرورًا: حال سببية تبين هيئة الطالب وسبب سروره). “جاء الطالبُ فرحًا بنجاحه.” (فرحًا: مفعول لأجله يبين سبب مجيء الطالب).
- التمييز: التمييز يوضح اسمًا مبهمًا أو يزيل إبهامًا عن جملة، بينما المفعول لأجله يبين سبب وقوع الفعل. مثال: “اشتريتُ عشرين كتابًا.” (كتابًا: تمييز يوضح نوع المعدود). “اشتريتُ كتابًا للقراءةِ.” (للقراءةِ: جار ومجرور يدل على سبب الشراء).
- المفعول المطلق المبين للعلة: قد يأتي المفعول المطلق لبيان سبب وقوع الفعل، ولكنه يكون من جنس الفعل نفسه أو مرادفًا له في المعنى، بينما المفعول لأجله يكون مصدرًا قلبيًا غير مشتق من الفعل. مثال: “عاقبتُهُ تأديبًا.” (تأديبًا: مفعول مطلق مبين للعلة، مشتق من معنى العقاب). “عاقبتُهُ كرهًا لتصرفاته.” (كرهًا: مفعول لأجله يبين سبب العقاب، وهو مصدر قلبي).
- الجار والمجرور الدال على العلة: الجار والمجرور بحرف اللام أو غيره قد يدلان على العلة، ولكنهما يعربان جارًا ومجرورًا وليس مفعولًا لأجله. مثال: “فعلتُ ذلك من أجلكَ.” (من أجلكَ: جار ومجرور يدل على العلة). “ذهبتُ إلى السوقِ لشراءِ الفاكهة.” (لشراءِ: جار ومجرور يدل على الغاية).
الخاتمة
يتضح لنا أن المفعول لأجله يمثل عنصرًا نحويًا حيويًا في اللغة العربية، يؤدي دورًا دلاليًا بارزًا في توضيح العلاقات السببية والغاية في الجملة الفعلية. بشروطه الأربعة الأساسية (أن يكون مصدرًا قلبيًا، مشاركًا للفعل في الزمان والفاعل غالبًا)، وأنواعه المختلفة (المجرد، المضاف، المقرون بـ “أل”) وأحكامه الإعرابية المتنوعة، يساهم المفعول لأجله في إثراء المعنى وتعميق الفهم. كما أن جواز حذفه في بعض السياقات يدل على مرونة اللغة وقدرتها على الإيجاز دون الإخلال بالمعنى. إن التمييز الدقيق بين المفعول لأجله وغيره من المنصوبات الدالة على العلة يعد ضرورة لإتقان قواعد النحو العربي والتعبير بدقة ووضوح. فالمفعول لأجله ليس مجرد اسم منصوب، بل هو نافذة تكشف عن الدوافع الباطنية والأهداف الكامنة وراء الأفعال، مما يجعل اللغة العربية أكثر تعبيرًا وجمالًا.