يوم التأسيس ( المملكة العربية السعودية )

احتفاءٌ بِالجذور التاريخية لِدولة عظيمة

مقدمة

يُعدّ يوم التأسيس (Founding Day) في المملكة العربية السعودية مناسبة وطنية مُهمة، تُحيي ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في عام 1139هـ (1727م). هذا اليوم، الذي يُحتفل به في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو تجسيدٌ لِعمق الجذور التاريخية للدولة، وامتدادها الحضاري الذي تجاوز ثلاثة قرون. إنه يُمثل نقطة الانطلاق لِمسيرة بناء الدولة التي قامت على مبادئ العدل، والوحدة، والاستقرار، وتُوجت لاحقًا بِتأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود. يُسلط يوم التأسيس الضوء على إرث عظيم من القيادة الحكيمة، والملاحم الوطنية، والتلاحم بين الشعب والقيادة، مما يُعزز من الهوية الوطنية والفخر بِالتاريخ العريق. هذا البحث سيتناول مفهوم يوم التأسيس، وأهميته التاريخية والوطنية، والمراحل التي مرت بها الدولة السعودية، وصولًا إلى الأبعاد الثقافية والاجتماعية لِلاحتفال به، ودوره في تعزيز الانتماء والوحدة في ظل التطلعات المستقبلية للمملكة.

 

مفهوم يوم التأسيس

يُعدّ يوم التأسيس مناسبة وطنية تُخلد ذكرى الانطلاق التاريخي لِكيان الدولة السعودية، وتُبرز عمقها التاريخي.

يوم التأسيس هو مناسبة وطنية رسمية في المملكة العربية السعودية، تُحتفل بِذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق 1727م، وعاصمتها الدرعية، وامتدادها إلى يومنا هذا.

صدر مرسوم ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في 27 يناير 2022م، بِاعتبار يوم 22 فبراير من كل عام يومًا لِلتأسيس وإجازة رسمية، تقديرًا لِهذه اللحظة التاريخية الفارقة.

لا يُقصد بيوم التأسيس يوم توحيد المملكة العربية السعودية الحديثة (الذي يُحتفل به في 23 سبتمبر)، بل هو يسبقه ويُمثل جذور الدولة السعودية الراسخة التي مرت بِثلاث مراحل تاريخية، مُؤكدًا على أن المملكة العربية السعودية ليست مجرد دولة حديثة النشأة، بل هي امتداد لِكيان سياسي وحضاري عريق.

 

أهمية يوم التأسيس التاريخية

تكمن الأهمية التاريخية ليوم التأسيس في عدة جوانب رئيسية:

  1. عمق الجذور التاريخية للدولة: يُؤكد يوم التأسيس على أن الدولة السعودية ليست كيانًا طارئًا، بل لها تاريخ يمتد لِأكثر من ثلاثة قرون، بدءًا من الدولة السعودية الأولى. هذا يُعزز من شرعية الدولة الحديثة واستمراريتها.
  2. نقطة الانطلاق لِلوحدة والاستقرار: تُعدّ الدرعية نقطة الانطلاق لِتوحيد أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية، وإرساء دعائم الأمن والاستقرار بعد فترات من التشتت والنزاعات.
  3. التأصيل الشرعي والمجتمعي: قامت الدولة السعودية الأولى على أساس منهجي يُستمد من مبادئ الشريعة الإسلامية، والتعاون بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، مما أرسى قيمًا راسخة لِلحكم الرشيد والعدل.
  4. بناء هوية وطنية مُوحدة: على مر السنين، ساهمت الدولة السعودية في بناء هوية وطنية جامعة لسكان شبه الجزيرة العربية، تُرتكز على الدين، واللغة، والتاريخ المُشترك، والولاء لِلوطن والقيادة.
  5. التضحيات والبطولات: يُذكر يوم التأسيس بِالتضحيات التي قدمها قادة وشعب الدولة السعودية عبر مراحلها المُختلفة لِلحفاظ على كيان الدولة واستقلالها.
  6. استمرارية الدولة السعودية: يُبرز هذا اليوم فكرة “الدولة السعودية” كَكيان مُستمر، مرَّ بِعدة مراحل (الأولى، الثانية، والمملكة العربية السعودية الحديثة)، ولكن بِروح واحدة ومبادئ أساسية مُشتركة.

إن الاحتفال بيوم التأسيس يُعطي الأجيال الجديدة فهمًا أعمق لتاريخهم، ويُعزز لديهم الشعور بِالفخر بِتراث أجدادهم، وبِمسيرة بناء وطنهم العظيم.

 

المراحل التاريخية للدولة السعودية

تُمثل الدولة السعودية كيانًا تاريخيًا مُمتدًا عبر ثلاث مراحل رئيسية، تُكلل مسيرة توحيد وبناء شبه الجزيرة العربية:

الدولة السعودية الأولى (1727 – 1818م):

  • التأسيس: قامت في منتصف عام 1139هـ الموافق 1727م على يد الإمام محمد بن سعود في الدرعية.
  • المبادئ: ارتكزت على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتعاونت مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لِتصحيح العقيدة وتوحيد الكلمة.
  • التوسع: شهدت توسعًا كبيرًا لِتشمل معظم شبه الجزيرة العربية، مُرسيةً دعائم الأمن والاستقرار.
  • النهاية: انتهت بسقوط الدرعية عام 1818م على يد الحملة العثمانية المصرية.

الدولة السعودية الثانية (1824 – 1891م):

  • الاستعادة: بدأت بِعودة الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود عام 1824م لِإعادة تأسيس الدولة السعودية، مُتخذًا من الرياض عاصمة لها.
  • الاستمرارية: استمرت على نفس المبادئ والنهج، وحافظت على جزء كبير من نفوذ الدولة الأولى.
  • النهاية: انتهت بِضعفها الداخلي وصراعاتها التي أدت إلى سقوطها عام 1891م.

المملكة العربية السعودية (1932م – حتى الآن):

  • التأسيس: بدأت مسيرة التأسيس الحديث على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي استعاد الرياض عام 1902م، وواصل توحيد أجزاء المملكة.
  • الإعلان: أُعلن تأسيس المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932م، وهو اليوم الوطني للمملكة.
  • الاستمرارية: تُمثل امتدادًا طبيعيًا لِلدولتين السابقتين في مبادئها وأهدافها، مُؤكدةً على استمرارية الكيان السياسي السعودي.
  • التطور: شهدت وتُشهد تطورات هائلة في جميع المجالات (الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية) لِتُصبح قوة إقليمية ودولية فاعلة.

يُسلط يوم التأسيس الضوء على المرحلة الأولى، مُؤكدًا على أنها الأساس الذي بُنيت عليه كل المراحل اللاحقة.

 

الأبعاد الثقافية والاجتماعية لِلاحتفال بيوم التأسيس

يُعدّ الاحتفال بيوم التأسيس فرصة لِتعزيز جوانب مُهمة في المجتمع السعودي:

  1. تعزيز الهوية الوطنية والانتماء: يُذكر الأجيال الشابة بِتاريخهم العريق، ويُعزز من شعورهم بِالفخر بِوطنهم وجذوره التاريخية. يُرسخ قيم الوحدة، والولاء لِلقيادة، والانتماء لِهذا الكيان المُمتد.
  2. إبراز التراث والثقافة السعودية: تُقام فعاليات ثقافية وفنية تُبرز التراث المحلي، والفنون الشعبية، والأزياء التقليدية، والأكلات الشعبية التي تُجسد التنوع الثقافي للمملكة. يُشجع على ارتداء الأزياء التقليدية في هذا اليوم، مما يُعزز من الشعور بِالاعتزاز بِالهوية.
  3. الاحتفاء بِقيادات الدولة ورجالاتها: يُذكر اليوم بِدور الإمام محمد بن سعود ومن جاء بعده من الأئمة والملوك في بناء الدولة والحفاظ عليها. يُسلط الضوء على تضحيات الآباء والأجداد الذين ساهموا في بناء هذا الوطن.
  4. تعزيز الوعي التاريخي: تُقام معارض، ندوات، وبرامج وثائقية تُعرف الجمهور بِأهمية هذه الحقبة التاريخية وتفاصيلها. يُشجع على البحث والاطلاع على تاريخ الدولة السعودية.
  5. غرس قيم الوحدة والتسامح: يُرسخ هذا اليوم مبدأ الوحدة الوطنية التي قامت عليها الدولة منذ نشأتها، ويُعزز قيم التسامح والتعايش بين مُختلف أفراد المجتمع.
  6. رسالة لِلعالم: يُرسل الاحتفال برسالة إلى العالم بِأن المملكة العربية السعودية دولة ذات تاريخ عريق، وجذور راسخة، وأنها ليست وليدة اليوم، مما يُعزز من مكانتها الدولية.

يُصبح يوم التأسيس بذلك ليس مجرد عطلة، بل هو حدث ثقافي واجتماعي يُساهم بِشكلٍ فعالٍ في بناء الوعي الوطني وتقدير الإرث التاريخي لِلدولة.

 

دلالات يوم التأسيس

تتجاوز دلالات يوم التأسيس مجرد الاحتفاء بِالماضي لِتُصبح مُحركًا لِلمستقبل، مُعززةً لِلتنمية والوحدة الوطنية في سياق رؤية المملكة 2030.

  1. دلالة الاستمرارية والرسوخ: يُؤكد هذا اليوم أن الدولة السعودية كيان مُستمر وراسخ، يمتد تاريخه لِأكثر من ثلاثة قرون، مما يُضفي على المملكة العربية السعودية الحديثة شرعية تاريخية وعمقًا حضاريًا. إنه يُبين أن ما نراه اليوم هو نتاج لِجهود مُتواصلة عبر الأجيال.
  2. دلالة الوحدة والاجتماع: قامت الدولة السعودية الأولى على مبدأ الوحدة بعد سنوات من التفرق والنزاعات في شبه الجزيرة العربية. يوم التأسيس يُذكر بِهذا المبدأ، ويُعزز من قيمة الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
  3. دلالة القيادة الحكيمة: يُسلط الضوء على دور الإمام محمد بن سعود كَقائد مُؤسس، يُعكس نموذجًا لِلقيادة الحكيمة التي تُجمع الكلمة وتُحقق الأمن والاستقرار، وهي صفات استمرت في قيادات الدولة السعودية المتعاقبة.
  4. دلالة الشراكة المجتمعية: تُجسد العلاقة بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب مثالًا لِشراكة مُثمرة بين القيادة السياسية والعلماء، مما يُبرز أهمية التلاحم بين القيادة والمجتمع.
  5. دلالة العدل والأمن: منذ نشأتها، هدفت الدولة السعودية إلى إرساء العدل وتوفير الأمن. يوم التأسيس يُذكر بِهذه المبادئ الأساسية التي لا تزال تُشكل ركائز الحكم في المملكة.
  6. دلالة الأصالة والتجديد: يُمكن يوم التأسيس من الاحتفاء بِالأصالة والجذور التاريخية دون التخلي عن التطلع لِلمستقبل والتجديد. فهو يُمثل جسرًا بين الماضي العريق والمستقبل الطموح.

دور يوم التأسيس في تطلعات المستقبل ورؤية 2030

يُلعب يوم التأسيس دورًا مُهمًا في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 من خلال:

  1. تعزيز الهوية الوطنية كَمُمكن لِلتنمية: تُعد الهوية الوطنية القوية والمُتجذرة عاملًا مُهمًا في بناء مجتمع حيوي، وهو أحد المحاور الرئيسية لرؤية 2030. فالمواطن المُتصل بِجذوره التاريخية يُصبح أكثر انتماءً ودافعية لِلمشاركة في بناء مستقبل وطنه. يُعزز من قيم الفخر بالوطن الذي يُساهم في بناء الشخصية السعودية الطموحة.
  2. دعم السياحة والتراث: يُسهم الاحتفال بيوم التأسيس في تسليط الضوء على المواقع التاريخية مثل الدرعية، مما يُعزز من السياحة الثقافية والتراثية، ويُشكل جزءًا من تنويع مصادر الدخل في رؤية 2030. يُشجع على الحفاظ على التراث العمراني والثقافي المرتبط بتاريخ الدولة السعودية.
  3. بناء جيل واعٍ ومُتحفز: يُقدم يوم التأسيس فرصة لِتثقيف الأجيال الجديدة بِتاريخهم، وتحديات الماضي، والإنجازات التي تحققت، مما يُلهمهم لِيكونوا جزءًا من تحقيق طموحات المستقبل. يُعزز لديهم القدرة على التفكير الاستراتيجي والتعلم من التاريخ لِصناعة المستقبل.
  4. التعريف بِالمملكة دوليًا: يُساعد يوم التأسيس في التعريف بِالمملكة العربية السعودية كَكيان تاريخي عريق وليس فقط كَمنتج لِاكتشاف النفط. يُقدم صورة شاملة لِلدولة تُعزز من مكانتها الإقليمية والدولية كَدولة ذات جذور راسخة ومستقبل واعد.
  5. ترسيخ قيم العدل والاستقرار كَأسس لِلتنمية: تُذكر المبادئ التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى (العدل، الأمن، الوحدة) بِأنها هي نفسها المبادئ التي تُشكل أساس التنمية المُستدامة اليوم.

بِاختصار، يوم التأسيس ليس مجرد احتفال بِالماضي، بل هو استثمار في المستقبل، يُعزز من روابط الوحدة، ويُحفز على العمل، ويُرسخ الهوية الوطنية كَركيزة أساسية لِتحقيق طموحات رؤية المملكة 2030.

 

خاتمة

يُعدّ يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية مناسبة وطنية ذات أبعاد عميقة، تُخلد ذكرى الانطلاقة التاريخية لِلدولة السعودية الأولى في عام 1727م. لقد تناول هذا البحث مفهوم يوم التأسيس، مُبرزًا أهميته التاريخية كَشاهدٍ على عمق الجذور، ومسيرة الوحدة، والتأصيل الشرعي والمجتمعي لِدولةٍ تجاوز عمرها ثلاثة قرون. كما سلطنا الضوء على المراحل التاريخية لِلدولة السعودية، من الأولى إلى الثانية وصولًا إلى المملكة العربية السعودية الحديثة، مُؤكدين على فكرة الاستمرارية والترابط بين هذه المراحل.

إن الاحتفال بيوم التأسيس يتجاوز كونه مجرد تذكير بِالماضي، لِيشكل مناسبةً لِتعزيز الهوية الوطنية والانتماء، وإبراز التراث والثقافة السعودية الأصيلة، والاحتفاء بِقيادات الدولة ورجالاتها الذين بنوا هذا الوطن بِعرقهم وتضحياتهم. في ظل التطلعات المستقبلية لِلمملكة ورؤية 2030، يُلعب يوم التأسيس دورًا حاسمًا في بناء جيل واعٍ، مُتصلٍ بِجذوره، وقادرٍ على المساهمة بِفاعلية في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. فَهو يُرسخ قيم الوحدة، والولاء، والفخر، ويُقدم للعالم صورة المملكة كَكيان تاريخي عريق ذي مستقبلٍ مشرقٍ.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث