استحقاق الله للعبادة وحده لا شريك له

مقدمة

يُمثل توحيد الله عز وجل في العبادة، أي إفراده بها وحده لا شريك له، جوهر الدين الإسلامي وأساسه الذي تقوم عليه جميع شرائعه وأحكامه. إنه الحق الأعظم الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب، وهو الغاية من خلق الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56). إن استحقاق الله وحده للعبادة ينبع من كمال ذاته وجلال صفاته وعظيم أفعاله وإنعامه على خلقه. فهو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر المتصرف، الذي لا يشاركه في ملكه وقدرته أحد. لذا، فإن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، سواء كان ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلًا أو وليًا صالحًا أو صنمًا أو وثنًا أو هوى نفس، يُعتبر شركًا أكبر مُخرجًا من ملة الإسلام ومُحبطًا للأعمال. إن فهم الأدلة العقلية والنقلية على استحقاق الله وحده للعبادة، وبيان أنواع العبادة التي يجب صرفها له وحده، والتحذير من الشرك وأنواعه، يمثل ضرورة لكل مسلم يسعى لتحقيق التوحيد الخالص والنجاة في الدنيا والآخرة.

 

الأدلة العقلية على استحقاق الله وحده للعبادة

يقوم العقل السليم على إدراك الحقائق الواضحة، ومن أبرز الحقائق التي يشهد بها العقل استحقاق الله وحده للعبادة:

  • دليل الخلق والإيجاد: الله وحده هو الخالق لكل شيء، وهو الذي أوجد الكون والإنسان من العدم. فكما أنه لا شريك له في الخلق، فإنه لا يستحق أن يُعبد معه غيره، لأن العبادة هي غاية الخضوع والتذلل للخالق المنعم.
  • دليل الربوبية والتدبير: الله وحده هو الرب المتصرف في الكون، المدبر لشؤونه، الرازق للخلق، المحيي المميت. فإذا كان هو المتفرد بالربوبية والتدبير، فإنه المتفرد بالعبادة، لأن العبادة هي شكر المنعم والخضوع للمدبر.
  • دليل الكمال والجلال: الله متصف بصفات الكمال والجلال المطلق، وهو المنزه عن كل نقص وعيب. فالعبادة لا تليق إلا بمن هو كامل في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو الله وحده.
  • دليل الإنعام والإحسان: الله هو المنعم على خلقه بجميع النعم الظاهرة والباطنة. فالعبادة هي شكر المنعم، ولا يستحق الشكر والعبادة إلا المنعم الحقيقي وهو الله.
  • دليل الفطرة: فطر الله الإنسان على التوحيد والإقرار بربوبيته، وعلى الميل إلى عبادة خالقه. والانحراف عن هذه الفطرة هو نتيجة المؤثرات الخارجية والضلال.

الأدلة النقلية من القرآن والسنة على استحقاق الله وحده للعبادة

تواترت الأدلة النقلية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وجوب إفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك به:

من القرآن الكريم:

  • قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: 255). هذه الآية العظيمة تقرر وحدانية الله في الألوهية، وأنه المستحق الوحيد للعبادة.
  • قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5). هذه الآية هي أساس التوحيد العملي، حيث يقر العبد بأنه لا يعبد إلا الله ولا يستعين إلا به.
  • قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء: 23). هذا أمر قاطع من الله تعالى بوجوب إفراده بالعبادة.
  • قوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر: 2-3). تأكيد على إخلاص العبادة لله وحده.
  • العديد من الآيات التي تنهى عن الشرك وتذمه وتبين عواقبه الوخيمة.

من السنة النبوية الشريفة:

  • قول النبي صلى الله عليه وسلم: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا”.
  • دعوة جميع الأنبياء والمرسلين أقوامهم إلى توحيد الله في العبادة.
  • تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك الأصغر والأكبر.
  • بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم الذنوب عند الله هو الشرك به.
  • تأكيده صلى الله عليه وسلم على معنى “لا إله إلا الله” وأنها تتضمن نفي الألوهية عن كل ما سوى الله وإثباتها لله وحده.

أنواع العبادة التي يجب صرفها لله وحده

تشمل العبادة في الإسلام كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. ويجب صرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، ومن أبرز أنواع العبادة:

  • الدعاء: وهو التوجه إلى الله بالطلب والرغبة والرهبة. لا يجوز دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
  • الاستعانة: وهي طلب العون والمدد من الله. لا تجوز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
  • الاستغاثة: وهي طلب الغوث والنجدة من الله عند الشدائد والكرب. لا تجوز الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
  • النذر: وهو إلزام النفس بشيء لله عند حصول مراد أو دفع مكروه. لا يجوز النذر لغير الله.
  • الذبح والنحر: وهو التقرب إلى الله بإراقة الدماء. لا يجوز الذبح والنحر لغير الله.
  • الرجاء والخوف: وهما تعليق القلب بالله وحده في طلب الخير ودفع الشر. لا يجوز تعليق الرجاء والخوف المطلقين بغير الله.
  • التوكل: وهو الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار. لا يجوز التوكل على غير الله في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله.
  • المحبة: وهي الميل القلبي والانقياد لله ولرسوله وللمؤمنين. لا يجوز صرف المحبة التي هي غاية التذلل والتعظيم لغير الله.
  • الخضوع والخشوع: وهما التذلل والانقياد لله في القول والفعل. يجب أن يكون الخضوع والخشوع الأعظم لله وحده.
  • الصلاة والزكاة والصوم والحج: وهي أركان الإسلام التي يجب أداؤها لله وحده وفق شرعه.

التحذير من الشرك وأنواعه وخطورته

الشرك هو أعظم الذنوب وأخطرها، وهو تسوية غير الله بالله في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته. ينقسم الشرك إلى قسمين رئيسيين:

  • الشرك الأكبر: وهو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، مثل دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم أو النذر لهم أو الذبح لهم أو اعتقاد أن لهم قدرة على النفع والضر من دون الله. الشرك الأكبر مُخرج من ملة الإسلام ومُحبط للأعمال وموجب للخلود في النار إن لم يتب منه صاحبه.
  • الشرك الأصغر: وهو كل ما ورد في الشرع تسميته شركًا ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، مثل الرياء (فعل العبادة ليراه الناس) والحلف بغير الله وقول “ما شاء الله وشئت” على سبيل التسوية. الشرك الأصغر لا يُخرج من ملة الإسلام ولكنه ينقص الإيمان وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.

خطورة الشرك تكمن في أنه:

  • أعظم الذنوب عند الله تعالى.
  • يُحبط جميع الأعمال الصالحة.
  • يُوجب الخلود في النار لمن مات عليه ولم يتب.
  • ينافي تحقيق الغاية من خلق الإنسان وهي عبادة الله وحده.
  • يُضعف توكل الإنسان على الله واعتماده عليه.
  • يُؤدي إلى الخرافات والأوهام والضلال.

آثار التوحيد الخالص على حياة الفرد والمجتمع

لتحقيق التوحيد الخالص آثار عظيمة على حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:

  • على الفرد:
    • تحقيق السعادة والطمأنينة وراحة البال.
    • تحريره من عبودية المخلوقين والخوف منهم.
    • قوة التوكل على الله والاعتماد عليه.
    • الاستقامة على شرع الله والبعد عن المعاصي.
    • الإخلاص في القول والعمل.
    • الرضا بقضاء الله وقدره.
    • الفوز برضا الله وجنته في الآخرة.
  • على المجتمع:
    • الوحدة والتماسك بين أفراده.
    • العدل والمساواة بين الناس.
    • الأمن والاستقرار.
    • التعاون على البر والتقوى.
    • النهضة والتقدم في جميع المجالات.
    • نيل نصر الله وتأييده.

تفنيد الشبهات التي يثيرها أهل الشرك والضلال

يثير أهل الشرك والضلال بعض الشبهات لتبرير شركهم وتعلقهم بغير الله، ومن أبرز هذه الشبهات والرد عليها:

  • شبهة التوسل بالصالحين: يزعمون أنهم يتوسلون بالأنبياء والأولياء ليقربوهم إلى الله. والرد: التوسل المشروع هو التوسل بأسماء الله وصفاته وأفعاله أو بدعاء الصالحين الأحياء، أما التوسل بذواتهم أو بجاههم أو سؤالهم ما لا يقدر عليه إلا الله فهو من الشرك.
  • شبهة تعظيم الأولياء: يزعمون أنهم يعظمون الأولياء والصالحين ولا يعبدونهم. والرد: التعظيم المشروع هو محبتهم والاقتداء بهم، أما الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم ودعاؤهم من دون الله فهو من الشرك.
  • شبهة الضرورة والشفاعة: يزعمون أنهم يلجأون إلى غير الله عند الضرورة أو يطلبون شفاعتهم عند الله. والرد: الله هو المجيب المضطر وهو الشفيع الذي لا تُشفع عنده إلا بإذنه، فلا يجوز صرف هذه الأمور لغيره.

الخاتمة

إن استحقاق الله وحده للعبادة لا شريك له هو أساس الدين الإسلامي وروحه ولبّه. إنه الحق الذي لا يزول والعدل الذي لا يحيف. لقد قامت السماوات والأرض على هذا الأصل العظيم، وعليه بعثت الرسل وأنزلت الكتب. إن تحقيق التوحيد الخالص في حياة المسلم هو مفتاح السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة. لذا، فإن الواجب على كل مسلم أن يتعلم حقيقة التوحيد ويدعو إليه ويحذر من الشرك بجميع أنواعه. إنها دعوة إلى إفراد الله بالحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة، وإلى صرف جميع أنواع العبادة له وحده لا شريك له. فبالتوحيد الخالص تستقيم الحياة وتزدهر المجتمعات وينال العبد رضا ربه وجنته. اللهم اجعلنا من الموحدين الخالصين واجنبنا الشرك كله دقه وجله.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث