الرياء

مقدمة

يُعد الرياء في الشريعة الإسلامية من أخطر الأمراض القلبية التي تُفسد الأعمال الصالحة وتُذهب أجورها، بل قد تجعلها وبالًا على صاحبها يوم القيامة. إنه داء خفي يتسلل إلى نفوس العباد فيُحوّل مقصدهم من ابتغاء وجه الله تعالى وثوابه الأخروي إلى طلب مدح الناس وثنائهم أو تحقيق مصلحة دنيوية زائلة. يُعرّف الرياء بأنه إظهار العبد للعبادة أو العمل الصالح ليراه الناس ويُثنوا عليه، مع إخفاء نية أخرى غير وجه الله. وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه “الشرك الأصغر” لما له من عظيم الخطر على إيمان العبد وعلاقته بربه، ولأنه تشريك للخلق مع الخالق في القصد من العمل. إن فهم حقيقة الرياء وأنواعه ودوافعه وعلاماته وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، والسبل الكفيلة بالتخلص منه وتطهير القلب من أوضاره، يمثل ضرورة حتمية لكل مسلم يسعى للإخلاص في عبادته ونيل رضا الله والفوز بجنته. فالعمل المشوب بالرياء كالشجرة التي لا تثمر، بل قد تكون سببًا في سخط الله وعقابه.

 

تعريف الرياء وحقيقته في الإسلام

الرياء لغةً مأخوذ من الرؤية، وهو إظهار الشيء ليُرى. أما في الاصطلاح الشرعي، فيُعرف الرياء بتعريفات متقاربة تدور حول معنى واحد، وهو: “إظهار العبد ما يراه الناس من الخير، بقصد رؤيتهم له ومدحهم إياه، مع إخفاء نية أخرى غير وجه الله تعالى”. وقيل أيضًا: “طلب ما عند الناس بعبادة الله”.

حقيقة الرياء تكمن في تحويل وجهة العمل من الخالق إلى المخلوق، وابتغاء الجزاء والثناء من الناس بدلًا من الله تعالى. إنه نوع من الشرك الخفي، لأن العامل يُشرك غير الله معه في قصده ونيته من العمل، وإن كان العمل في ظاهره لله.

 

أنواع الرياء ودوافعه

ينقسم الرياء إلى أنواع متعددة بحسب متعلقه ودرجته وقوته:

  • الرياء الأكبر (الشرك الأكبر): وهو إظهار الإيمان باللسان مع كفر القلب، أو فعل العبادة أصلًا لغرض دنيوي محض، دون أي قصد لوجه الله تعالى. وهذا النوع مُخرج من الملة ومُخلد في النار إن لم يتب صاحبه.
  • الرياء الأصغر (الشرك الأصغر): وهو فعل العبادة لله أصلًا، ولكن يُحسنها أو يُطيلها أو يُظهر فيها الخشوع والتدين لكي يراه الناس ويُثنوا عليه، أو الفرح بثناء الناس على العمل الصالح والحزن بذمهم له. وهذا النوع لا يُخرج من الملة ولكنه يُنقص الأجر وقد يُعرض صاحبه للعقوبة.
  • الرياء الخفي: وهو ما يتسلل إلى القلب دون أن يشعر به صاحبه غالبًا، كأن يُحب أن يُحمد على طاعته أو يكره أن يُذم على تقصيره.

أما دوافع الرياء فهي متعددة ومتنوعة، تنبع من ضعف الإيمان وحب الدنيا والبحث عن المنزلة والجاه، ومن أبرز هذه الدوافع:

  • حب المدح والثناء: فالإنسان بطبعه يميل إلى أن يُمدح ويُثنى عليه، والرياء وسيلة لتحقيق هذه الرغبة.
  • الخوف من الذم والعيب: فيُظهر العمل الصالح ليتقي ذم الناس وعيبهم أو ليحافظ على صورته أمامهم.
  • طلب المنزلة والجاه: فيُظهر التدين والعمل الصالح ليحظى بمكانة مرموقة في المجتمع أو بين أقرانه.
  • تحقيق مصلحة دنيوية: كالحصول على مال أو وظيفة أو زوجة أو نفوذ من خلال إظهار الصلاح والتدين.

علامات الرياء التي تدل عليه

هناك علامات تظهر على المرائي وتدل على داء الرياء المستكن في قلبه، ومن أبرز هذه العلامات:

  • النشاط في حضور الناس والكسل في غيابهم: يُظهر الحماس والاجتهاد في العبادة إذا كان الناس يرونه، ويُهملها أو يتكاسل عنها إذا كان وحده.
  • تحسين العمل إذا اطلع عليه الناس: يُحسن صلاته أو صدقته أو أي عمل صالح إذا علم أن الناس يراقبونه، ويُقصّر فيه إذا كان وحده.
  • الفرح بثناء الناس والحزن بذمهم: يعلق قلبه برضا الناس ومدحهم، ويهتم لكلامهم أكثر من اهتمامه برضا الله تعالى.
  • طلب المحمدة على فعل الطاعة: يُحب أن يُحمد ويُثنى عليه بعد قيامه بالعمل الصالح ويتحدث عنه ليُسمع.
  • إظهار ما يُخفي: يُظهر من الأعمال الصالحة والتدين ما لا يفعله في السر أو ما يخالف باطنه.
  • التلون في الدين: يتلون في دينه بحسب ما يرضي الناس أو يحقق مصلحته الدنيوية، فيُظهر التشدد أمام المتشددين والتساهل أمام المتساهلين.

الآثار المدمرة للرياء على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة

للرّياء آثار وخيمة وعواقب مدمرة على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:

على الفرد في الدنيا:

  • فقدان الإخلاص لله تعالى: وهذا يُبعده عن محبة الله ورضوانه وقربه.
  • القلق والاضطراب النفسي: لأنه يعيش بوجهين ويسعى لرضا المخلوق الذي لا يملك نفعًا ولا ضرًا.
  • الحرمان من لذة العبادة وحلاوة الإيمان: لأن قلبه مشغول بغير الله.
  • الوقوع في النفاق العملي: لأنه يُظهر خلاف ما يُبطن ويسعى لرضا الناس لا رضا الله.
  • الذم والعيب في الباطن: وإن مدحه الناس في الظاهر فإن الله يعلم سريرته.

على الفرد في الآخرة:

  • حبوط العمل وعدم قبوله: قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23).
  • العذاب الشديد والوعيد بالنار: كما ورد في الحديث القدسي: “أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”. وفي حديث الثلاثة الذين يُسعر بهم النار أولًا يوم القيامة.

على المجتمع:

  • ضعف الثقة بين الناس: لأن المرائي يُظهر خلاف ما يُبطن ويُمارس الخداع.
  • انتشار النفاق والكذب والخداع في المعاملات والأقوال والأفعال.
  • عدم البركة في الأعمال والجهود: لأنها لم تُبنَ على أساس الإخلاص لله تعالى.
  • تأخر النصر والتمكين للأمة: لأن الله لا ينصر قومًا لم يُخلصوا له الدين.

السبل العملية للتخلص من الرياء وتطهير القلب

هناك سبل عملية وقائية وعلاجية يمكن للمسلم أن يسلكها للتخلص من داء الرياء وتطهير قلبه، منها:

  • الاستعانة بالله تعالى: واللجوء إليه بالدعاء والتضرع أن يُخلّص القلب من الرياء ويُعينه على الإخلاص.
  • تعلم حقيقة الإخلاص وفضله وعظمته، وخطورة الرياء وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة.
  • مجاهدة النفس ومراقبة النيات بدقة: ومحاسبتها قبل العمل وأثناءه وبعده، واستشعار نظر الله تعالى في كل حال.
  • إخفاء الأعمال الصالحة قدر المستطاع: فإخفاء النافلة أفضل من إظهارها إلا إذا كان في إظهارها مصلحة راجحة كالاقتداء مع سلامة القلب من الرياء.
  • الاستواء في السر والعلن: بأن يكون حال العبد في السر كحاله في العلن، فلا يُظهر خلاف ما يُبطن.
  • عدم الاهتمام بمدح الناس أو ذمهم: وتعليق القلب برضا الله وحده والسعي لثوابه.
  • تذكر عظمة الله وجلاله وعقوبته وثوابه: فمن استحضر عظمة الله استصغر في عينه مدح الناس وذمهم ورغبتهم ورهبتهم.
  • النظر إلى عيوب النفس وتقصيرها: فمن عرف عيب نفسه اشتغل بإصلاحها عن طلب مدح الناس والثناء عليهم.
  • كثرة ذكر الموت والقبر والآخرة وأهوالها: فإن ذلك يُزهّد العبد في الدنيا الفانية ويُخلصه من طلب رضا الناس الزائل.
  • مصاحبة الصالحين المخلصين: والاقتداء بهم في إخلاصهم وحذرهم من الرياء.

أهمية الإخلاص في كل عمل وخطورة التهاون بشأن الرياء

إن الإخلاص هو أساس قبول العمل وروح العبادة، ولا قيمة لأي عمل بدونه عند الله تعالى. والرياء هو الشرك الأصغر الذي يُحبط العمل ويُبعد العبد عن الله ويُعرضه للعقوبة الشديدة. لذا، فإن التهاون بشأن الرياء أمر خطير وعواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة. يجب على كل مسلم أن يجتهد في تحقيق الإخلاص في كل قول وعمل، وأن يحذر من الرياء وأنواعه ودوافعه وعلاماته، وأن يسعى جاهدًا لتطهير قلبه منه والاستعانة بالله على ذلك. فالفوز برضا الله وجنته والنجاة من عذابه لا يكون إلا بالعمل الخالص الصادق الذي ابتُغي به وجه الله وحده.

 

الخاتمة

إن الرياء آفة عظيمة وشرك خفي يُفسد الأعمال ويُذهب الأجور ويُبعد العبد عن الله. يجب على كل مسلم أن يفهم حقيقته وأنواعه ودوافعه وعلاماته وآثاره المدمرة. والسبيل إلى النجاة من هذه الآفة الخطيرة هو مجاهدة النفس ومراقبة النيات وتطهير القلب بالإخلاص لله وحده في كل قول وعمل، والاستعانة بالله في ذلك. فالإخلاص هو مفتاح القبول وروح العبادة وسبيل الفوز برضا الله وجنته والنجاة من عذابه. فلنسع جميعًا لتحقيق الإخلاص في أعمالنا والبعد عن الرياء وشوائبه، سائلين الله تعالى أن يُخلص قلوبنا وأعمالنا لوجهه الكريم وأن يجعلنا من عباده المخلصين الذين لا يريدون بعمله إلا وجهه الكريم. إن الله سميع مجيب الدعاء.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث