الشفاعة والشفعاء يوم القيامة

مقدمة

يُعد الإيمان بالشفاعة يوم القيامة من أصول الاعتقاد في الإسلام، وهو مظهر من مظاهر رحمة الله الواسعة وفضله العظيم على عباده. فالشفاعة هي توسط الغير لجلب منفعة أو دفع مضرة، وفي سياق يوم القيامة تعني توسط الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم بإذن الله تعالى ليشفعوا للمذنبين من المؤمنين لتخفيف العذاب عنهم أو إدخالهم الجنة بغير حساب أو رفع درجاتهم فيها. إن فهم حقيقة الشفاعة وأنواعها وشروطها ومن هم الشفعاء يوم القيامة، وإدراك أهمية هذا الاعتقاد في بث الأمل في قلوب المؤمنين وتحفيزهم على العمل الصالح، يُعد ضروريًا لسلامة العقيدة واستقامة الإيمان.

 

مفهوم الشفاعة وأنواعها في الإسلام

مفهوم الشفاعة: لغةً التوسط والطلب للغير. وشرعًا التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة في الدنيا أو الآخرة. وفي سياق يوم القيامة، هي توسط الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم بإذن الله تعالى ليشفعوا للمذنبين من المؤمنين.

أنواع الشفاعة يوم القيامة: يمكن تقسيم الشفاعة يوم القيامة إلى أنواع متعددة باعتبارات مختلفة، منها:

  • الشفاعة العظمى (الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم): وهي الشفاعة لفصل القضاء بين الناس بعد أن يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وكلهم يعتذر، ثم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع عند الله لفصل القضاء، وهي المقام المحمود الذي وعده الله به.
  • الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار: يشفع النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحون وغيرهم في عصاة الموحدين الذين دخلوا النار بذنوبهم ليخرجوا منها ويدخلوا الجنة.
  • الشفاعة في رفع درجات أهل الجنة: يشفع البعض لرفع درجات أقوام في الجنة وزيادة نعيمهم.
  • الشفاعة في أقوام استحقوا النار ألا يدخلوها: يشفع البعض في أقوام استحقوا العذاب والنار بأعمالهم ألا يدخلوها.
  • الشفاعة في تخفيف العذاب عن بعض أهل النار: كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بتخفيف العذاب عنه.
  • شفاعات أخرى: كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة المنورة، وشفاعة الشهداء لأهليهم.

الأدلة الشرعية من القرآن والسنة التي تثبت الشفاعة

لقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية نصوص صريحة تثبت الشفاعة يوم القيامة:

  • من القرآن الكريم: قال تعالى في سياق نفي الشفاعة الشركية: “مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ” (غافر: 18). وهذا يدل بمفهومه على وجود شفعاء يطاعون بإذن الله. وقال تعالى: “وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ” (الأنبياء: 28). وهذا يثبت الشفاعة لمن ارتضاه الله. وقال تعالى في وصف أهل الجنة: “لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا” (الواقعة: 25-26). وفي قراءات “إلا قيلاً سلامًا” بالرفع على الفاعلية، أي إلا قول الشفعاء سلامًا للمشفوع لهم.
  • من السنة النبوية: وردت أحاديث متواترة تثبت الشفاعة بأنواعها المختلفة، منها حديث الشفاعة العظمى الطويل المتفق عليه، وأحاديث الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط” (متفق عليه). وأحاديث أخرى تثبت أنواع الشفاعات الأخرى.

شروط الشفاعة ومن هم الشفعاء يوم القيامة

للشفاعة يوم القيامة شروط لا تتحقق إلا بها:

  1. إذن الله تعالى للشافع بالشفاعة: قال تعالى: “مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ” (البقرة: 255). فلا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن الله له بذلك.
  2. رضا الله تعالى عن الشافع: قال تعالى: “وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى” (الأنبياء: 28). فلا يشفع إلا من رضي الله عنه وأحبه.
  3. رضا الله تعالى عن المشفوع له: قال تعالى: “وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى” (الأنبياء: 28). فلا يشفع إلا لمن رضي الله عنه وأراد أن يرحمه.

الشفعاء يوم القيامة الذين أذن الله لهم بالشفاعة هم:

  1. النبي محمد صلى الله عليه وسلم: له الشفاعة العظمى وشفاعات أخرى لأمته ولغيرهم.
  2. الأنبياء والمرسلون عليهم السلام: يشفعون لأتباعهم ولمن أذن الله لهم فيه.
  3. الملائكة الكرام عليهم السلام: يشفعون لمن أذن الله لهم فيه من عباده المؤمنين.
  4. الشهداء في سبيل الله: لهم شفاعة يشفعون بها لأهليهم.
  5. الصالحون والمؤمنون: يشفع بعضهم لبعض بإذن الله تعالى.
  6. الأطفال الذين ماتوا صغارًا: يشفعون لوالديهم.
  7. القرآن الكريم: يشفع لقارئه والعامل به.
  8. الأعمال الصالحة: قد تشفع لصاحبها.

الأصناف التي يشفع لها بإذن الله يوم القيامة

يشفع الشفعاء يوم القيامة لأصناف من الناس بإذن الله تعالى، وهم في الغالب من أهل التوحيد والإيمان الذين ارتكبوا ذنوبًا ولم يغفرها الله لهم، أو لمن لهم فضل وسابقة في الإسلام، أو لمن شاء الله رحمته بهم. ومن هذه الأصناف:

  1. عصاة الموحدين: الذين دخلوا النار بذنوبهم، فيشفع لهم الشفعاء ليخرجوا منها ويدخلوا الجنة.
  2. أهل الجنة: ليشفع لهم في رفع درجاتهم وزيادة نعيمهم.
  3. أقوام استحقوا النار: ليشفع لهم ألا يدخلوها.
  4. أقوام من أهل النار: ليشفع لهم في تخفيف العذاب عنهم.
  5. أهل الأعراف: وهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع لهم ليدخلوا الجنة.
  6. أهل الكبائر من المسلمين: الذين ماتوا ولم يتوبوا، أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم بفضله ورحمته وشفاعة الشافعين.

أهمية الإيمان بالشفاعة في العقيدة الإسلامية وأثرها في حياة المسلم

الإيمان بالشفاعة له أهمية كبيرة في العقيدة الإسلامية وله آثار إيجابية في حياة المسلم:

  • إثبات رحمة الله الواسعة: فالشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده وعفوه عنهم.
  • بث الأمل في قلوب المؤمنين: يشعر المؤمن المذنب بالأمل في رحمة الله وشفاعة الشافعين، مما يدفعه إلى عدم اليأس.
  • تحفيز المؤمن على العمل الصالح: رجاء نيل الشفاعة يحفز المؤمن على الاجتهاد في الطاعات والقربات.
  • الحذر من التهاون في المعاصي: الإيمان بأن الشفاعة لا تكون إلا لمن ارتضاه الله يحذر المؤمن من التهاون في ارتكاب الذنوب اتكالًا على الشفاعة.
  • تعظيم قدر النبي صلى الله الله عليه وسلم: فالشفاعة العظمى من خصائصه صلى الله عليه وسلم ومقام محمود له.
  • بيان فضل الأنبياء والملائكة والصالحين: فالشفاعة منزلة عظيمة يكرم الله بها أصفيائه.
  • ترسيخ الإيمان باليوم الآخر: فالشفاعة من أحداث يوم القيامة التي يجب الإيمان بها.

الخاتمة

إن الإيمان بالشفاعة يوم القيامة جزء أصيل من عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو رحمة من الله تعالى وأمل للمذنبين. فالشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة، ولها شروط وضوابط لا تتحقق إلا بإذن الله ورضاه عن الشافع والمشفوع له. والشفعاء يوم القيامة هم الأنبياء والملائكة والصالحون وغيرهم، يشفعون لأصناف من أهل التوحيد والإيمان الذين ارتكبوا ذنوبًا ولم يغفرها الله لهم. إن الإيمان بالشفاعة يبث الأمل في قلوب المؤمنين ويحفزهم على العمل الصالح، وفي الوقت نفسه يحذرهم من التهاون في المعاصي. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينالون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يرحمنا برحمته الواسعة يوم القيامة.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث