مكانة نبينا محمد ﷺ والتحذير من الغلو فيه

مقدمة

يتبوأ نبينا محمد ﷺ مكانة سامية ومنزلة رفيعة في الإسلام لا يدانيها فيها أحد من البشر. فهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وأفضل الخلق على الإطلاق، وقد اصطفاه الله تعالى لحمل الرسالة الخاتمة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بشريعته الكاملة الشاملة. لقد أنزل الله عليه القرآن الكريم المعجزة الخالدة، وأيده بالبراهين الساطعة، وأوجب على جميع الناس الإيمان به واتباعه وطاعته. إلا أن هذه المكانة العظيمة والفضل العميم لم يجعلاه إلهًا يُعبد من دون الله أو شريكًا له في ملكه، بل هو عبد الله ورسوله المصطفى، تجري عليه سنن البشرية من الحاجة والمرض والموت. لقد حذر النبي ﷺ بنفسه أمته أشد التحذير من الغلو فيه ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، كما حذر من الغلو في سائر الأنبياء والصالحين. إن فهم المكانة الحقيقية لنبينا محمد ﷺ في الإسلام، وبيان فضائله وخصائصه التي خصه الله بها، والتحذير من تجاوز الحد في تعظيمه وإطرائه، يمثل ضرورة قصوى لكل مسلم يسعى للاعتدال في دينه واتباع سنة نبيه ﷺ على الوجه الصحيح، وتجنب الوقوع في براثن الغلو والشرك.

 

المكانة السامية لنبينا محمد ﷺ في الإسلام

يتبوأ نبينا محمد ﷺ مكانة عظيمة في الإسلام لا يضاهيها فيها أحد من الأنبياء والمرسلين، وتتجلى هذه المكانة في جوانب عديدة:

  • خاتم الأنبياء وسيد المرسلين: قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40). وقال ﷺ: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر”.  
  • أفضل الخلق على الإطلاق: هو أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه. قال ﷺ: “أنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة ولا فخر”.
  • حامل الرسالة الخاتمة والشريعة الكاملة: أرسله الله بالدين الحق والقرآن الكريم الناسخ لجميع الشرائع السابقة والهادي إلى صراط مستقيم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
  • صاحب المقام المحمود والشفاعة العظمى: يخصه الله يوم القيامة بالمقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، وله الشفاعة العظمى ليشفع للناس عند ربهم.
  • التأييد بالمعجزة الخالدة (القرآن الكريم): أنزل الله عليه القرآن الكريم المعجز ببلاغته وفصاحته وتشريعاته وأخباره، وهو حجة الله الباقية على العالمين.
  • وجوب الإيمان به واتباعه وطاعته: أمر الله جميع الناس بالإيمان بنبينا محمد ﷺ واتباع سنته وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: 31).  

الأدلة من القرآن والسنة على فضل النبي ﷺ وخصائصه

وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة آيات وأحاديث كثيرة تدل على فضل النبي ﷺ وخصائصه التي اختصه الله بها:

من القرآن الكريم:

  • الثناء عليه وتزكيته: أثنى الله عليه في مواضع عديدة ووصفه بأوصاف الكمال كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
  • الأمر بالصلاة والسلام عليه: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56).  
  • تفضيله على سائر الأنبياء: قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة: 253)، ونبينا محمد ﷺ هو أعلاهم درجة.

من السنة النبوية الشريفة:

  • حديث الشفاعة العظمى.
  • حديث الحوض المورود.
  • حديث المعراج.
  • قوله ﷺ: “أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي…”. وذكر منها: نصرته بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت له الغنائم، وأعطي الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.

التحذيرات الشديدة من الغلو في النبي ﷺ ورفعه فوق منزلته البشرية

حذر النبي ﷺ أمته أشد التحذير من الغلو فيه ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، اقتداءً بالأنبياء السابقين الذين حذروا أممهم من ذلك:

  • نهيه عن الإطراء المجاوز للحد: قال ﷺ: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله”. والإطراء هو المبالغة في المدح والثناء بما ليس في الممدوح أو بما يخرجه عن صفة البشرية.
  • بيانه لبشريته ﷺ: كان ﷺ يؤكد على أنه بشر مثلهم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله. قال تعالى على لسانه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأعراف: 188).
  • نهيه عن اتخاذ قبره عيدًا أو مكانًا للعبادة: قال ﷺ: “لا تجعلوا قبري عيدًا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني”.
  • التحذير من رفعه فوق منزلة العبودية والرسالة: كان ﷺ يغضب إذا مدحه أحد بما يخرجه عن وصف العبودية لله والرسالة منه.

صور الغلو في النبي ﷺ التي وقعت فيها بعض الفرق والأفراد عبر التاريخ

لقد وقعت بعض الفرق والأفراد عبر التاريخ في صور من الغلو في النبي ﷺ تجاوزت الحد الشرعي، ومن أبرز هذه الصور:

  • دعاؤه والاستغاثة به من دون الله: كما يفعل بعض الصوفية الغلاة والقبوريين.
  • الاعتقاد بأنه يعلم الغيب المطلق: وهذا ينافي النصوص الصريحة التي تثبت أن الغيب لله وحده.
  • الاعتقاد بأنه حاضر وناظر في كل مكان: وهذا من خصائص الله تعالى.
  • الاعتقاد بأنه المتصرف في الكون أو له شريك في التدبير: وهذا ينافي توحيد الربوبية.
  • المبالغة في مدحه وإطرائه بأوصاف لا تليق إلا بالله تعالى.
  • بناء القباب والمزارات على قبره واتخاذها أماكن للعبادة والتبرك.
  • الاحتفالات المبتدعة التي تتضمن مظاهر من الغلو والشرك.

وقد حذر أهل السنة والجماعة من هذه الصور من الغلو وبينوا أنها تنافي التوحيد الخالص والسنة النبوية الصحيحة.

 

الموقف الإسلامي الوسطي الذي يحب النبي ﷺ ويوقره ويتبعه مع إفراد الله بالعبادة

يتميز موقف أهل السنة والجماعة تجاه النبي ﷺ بالحب والتوقير والاتباع مع إفراد الله بالعبادة وحده، ويتجلى هذا الموقف الوسطي في:

  • محبة النبي ﷺ محبة تفوق محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، محبة مبنية على الإيمان والاقتداء.
  • توقيره وإجلاله وتعظيمه بما يليق بمقامه النبوي الكريم.
  • اتباع سنته وهديه في جميع جوانب الحياة، والتمسك بها.
  • الصلاة والسلام عليه كما أمر الله ورسوله.
  • الإيمان بأنه عبد الله ورسوله المصطفى، وأنه بشر لا يملك من الأمر شيئًا إلا ما أذن الله له به.
  • رفض الغلو فيه ورفعه فوق منزلته البشرية.
  • إفراد الله وحده بالعبادة والدعاء والاستعانة والتوكل والنذر والذبح.
  • الحذر من البدع والمحدثات في الدين التي تخالف سنته ﷺ.

أهمية الفهم الصحيح لمكانة النبي ﷺ في الحفاظ على نقاء التوحيد واتباع السنة

إن الفهم الصحيح لمكانة النبي ﷺ هو أساس اتباع سنته على الوجه الصحيح والحفاظ على نقاء التوحيد. فعندما يدرك المسلم المنزلة الحقيقية للنبي ﷺ وأنه عبد الله ورسوله القدوة، فإنه يحبه ويوقره ويتبعه في حدود ما شرعه الله، دون غلو أو تقصير. أما الغلو فيه فإنه يؤدي إلى صرف العبادة لغير الله والوقوع في الشرك، كما أن التقصير في حقه ﷺ يؤدي إلى مخالفة أمره وهديه والابتداع في الدين. لذا، فإن تعليم الناس المكانة الصحيحة للنبي ﷺ والتحذير من الغلو فيه هو من أعظم الواجبات وأهم المهمات للحفاظ على سلامة العقيدة وصحة الاتباع.

 

الخاتمة

إن نبينا محمد ﷺ هو سيد المرسلين وقدوة العالمين وأفضل الخلق على الإطلاق، وقد خصه الله بفضائل وخصائص عظيمة. يجب على كل مسلم أن يحبه ويوقره ويتبعه ويصلي ويسلم عليه. إلا أن هذه المحبة والتوقير والاتباع يجب أن تبقى في إطار العبودية الخالصة لله وحده، دون غلو أو رفع للنبي ﷺ فوق منزلته البشرية التي أنزله الله إياها. لقد حذر النبي ﷺ بنفسه من الغلو فيه كما حذر من الغلو في سائر الأنبياء والصالحين. إن الموقف الإسلامي الوسطي هو محبة النبي ﷺ وتوقيره واتباع سنته مع إفراد الله بالعبادة وحده، وهذا هو سبيل النجاة والفلاح. فلنسع جميعًا إلى فهم هذه القضية المركزية في عقيدتنا والعمل بمقتضاها، سائلين الله تعالى أن يرزقنا محبة نبيه ﷺ واتباع سنته ظاهراً وباطناً مع تحقيق التوحيد الخالص له وحده.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث