شهادة أن محمداً رسول الله

مقدمة
تُمثل شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن الثاني من أركان الشهادتين، ولا يكتمل إيمان العبد إلا بها بعد شهادة أن لا إله إلا الله. إنها الإقرار الجازم بالقلب والنطق باللسان بأن محمداً بن عبد الله هو عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. ليست هذه الشهادة مجرد خبر أو معلومة تاريخية، بل هي اعتقاد راسخ يستلزم الطاعة المطلقة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والاقتداء به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله. إن فهم فضل هذه الشهادة وعظمتها، ومعرفة شروطها ومعناها الحقيقي ومقتضياتها وآثارها على حياة المسلم، يُعدّ ضرورة حتمية لتحقيق الإيمان الكامل والنجاة والفلاح في الدارين. هذا البحث يسعى إلى استجلاء عظمة هذه الشهادة وبيان جوانبها المتعددة في الشريعة الإسلامية.
فضل شهادة أن محمداً رسول الله ومكانتها في الإسلام
تتمتع شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل عظيم ومكانة رفيعة في الإسلام، فهي:
- الركن الثاني من أركان الشهادتين: لا يصح الإسلام إلا بهما معًا.
- تمام الإيمان: الإيمان بالله لا يتم إلا بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31].
- سبب الهداية: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي سبب الهداية. قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
- دليل محبة الله: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو علامة محبة الله ونيل محبته.
- القدوة الحسنة: النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة للمسلمين. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
- صاحب الشفاعة العظمى: هو صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود والشفاعة العظمى يوم القيامة.
شروط صحة شهادة أن محمداً رسول الله
لا تنفع هذه الشهادة قائلها بمجرد النطق بها، بل لا بد من تحقيق شروطها، وهي:
- العلم بمعناها: العلم بأنه عبد الله ورسوله، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنه أرسل بالهدى ودين الحق.
- التصديق الجازم: التصديق بصدق نبوته ورسالته وبكل ما أخبر به وأمر به.
- الطاعة فيما أمر: امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه.
- اتباعه فيما شرع: الاقتداء به في عباداته وأخلاقه وسائر شؤون حياته.
- عدم الغلو فيه: تنزيهه عن صفات الألوهية وعدم رفعه فوق منزلته التي أنزله الله بها.
- محبة النبي صلى الله عليه وسلم: محبته أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين.
- توقيره وتعظيمه: احترامه صلى الله عليه وسلم وتوقيره في حياته وبعد مماته.
معنى شهادة أن محمداً رسول الله
معنى هذه الشهادة العظيمة هو:
- أنه عبد الله: نفي جميع صفات الألوهية عنه صلى الله عليه وسلم وإثبات عبوديته لله وحده.
- أنه رسول الله: الإقرار بأنه مرسل من عند الله تعالى، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن ما جاء به هو الحق والهدى.
فالمسلم بشهادته هذه يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، ويطيعه فيما أمر، ويصدقه فيما أخبر، ويجتنب ما نهى عنه وزجر، ولا يعبد الله إلا بما شرعه.
مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله
تقتضي هذه الشهادة من المسلم أمورًا عظيمة في جميع جوانب حياته، منها:
- اتباع سنته صلى الله عليه وسلم: الاقتداء به في أقواله وأفعاله وتقريراته.
- طاعته في كل ما أمر به: امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
- تصديقه في كل ما أخبر به: الإيمان بكل ما جاء به من الوحي.
- عدم الغلو فيه ورفعه فوق منزلته.
- محبة آل بيته وصحابته رضي الله عنهم.
- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره.
- الدفاع عنه وعن سنته.
- نشر سنته وتعليمها للناس.
- الاقتداء به في الأخلاق والآداب.
آثار شهادة أن محمداً رسول الله على الفرد والمجتمع
لشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار مباركة وعظيمة على حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:
على الفرد:
- تحقيق الإيمان الكامل: لا يتم الإيمان إلا بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم.
- اتباع الصراط المستقيم: سنته صلى الله عليه وسلم هي الهدي والنور.
- نيل محبة الله ورضوانه.
- الفوز بالشفاعة يوم القيامة.
- اقتفاء القدوة الحسنة.
على المجتمع:
- الاستقامة على شرع الله: سنته صلى الله عليه وسلم تبين وتفصل شرع الله.
- الوحدة والاتفاق: الاقتداء بنبي واحد يوحد الأمة.
- التقدم والازدهار: اتباع الهدي النبوي يجلب الخير والبركة.
- الأمن والاستقرار: تطبيق سنته صلى الله عليه وسلم يحقق العدل والأمن.
مخالفة شهادة أن محمداً رسول الله ومبطلاتها
يجب على المسلم أن يحذر أشد الحذر من مخالفة شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبطلاتها، ومن ذلك:
- تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به.
- عدم طاعته فيما أمر.
- الابتداع في دينه وإحداث ما لم يشرعه.
- الغلو فيه ورفعه فوق منزلته.
- الاستهزاء به أو بشيء من سنته.
- تفضيل قول أحد من الناس على قوله صلى الله عليه وسلم.
- الاعتقاد بجواز الخروج على سنته أو الاستغناء عنها.
خاتمة
تتجلى عظمة شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم كأحد ركني الشهادتين وأساس تمام الإيمان ومفتاح الاتباع. إنها الإقرار الجازم بنبوته ورسالته وطاعته والاقتداء به في جميع جوانب الحياة. إن فهم فضل هذه الشهادة ومعناها الحقيقي ومقتضياتها وآثارها المباركة يدفع المسلم إلى التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم والحرص عليها وتنقيتها من كل بدعة أو مخالفة. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا محبته ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ظاهراً وباطناً، وأن يجعلنا من الذين يشهدون له بالرسالة حق الشهادة ويوفون بمقتضاها.