شهادة أن لا إله إلا الله

مقدمة
تُمثل شهادة أن لا إله إلا الله الركن الأول وأعظم أركان الإسلام، وهي مفتاح الدخول فيه وأساس الإيمان الذي لا يقبل الله من أحد عملًا إلا به. ليست هذه الشهادة مجرد قول باللسان، بل هي اعتقاد جازم بالقلب وإقرار باللسان وعمل بمقتضاها بالجوارح. إن فهم فضل هذه الشهادة وعظمتها، ومعرفة شروطها ومعناها الحقيقي ومقتضياتها وآثارها على حياة المسلم، يُعدّ ضرورة حتمية لكل من أراد النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. هذه الكلمة العظيمة هي جوهر دعوة الرسل جميعًا، وعليها قامت السماوات والأرض، وبها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل، ولأجلها شرع الجهاد، وبها تنقسم الخليقة إلى مؤمنين وكافرين. هذا البحث يسعى إلى استجلاء عظمة هذه الشهادة وبيان جوانبها المتعددة في الشريعة الإسلامية.
فضل شهادة أن لا إله إلا الله ومكانتها في الإسلام
تتمتع شهادة أن لا إله إلا الله بفضل عظيم ومكانة رفيعة في الإسلام، فهي:
- مفتاح الإسلام: لا يدخل أحد في الإسلام إلا بالنطق بها مع الاعتقاد بمعناها والعمل بمقتضاها.
- أعظم الحسنات: قال صلى الله عليه وسلم: “خير الذكر لا إله إلا الله، وخير الدعاء الحمد لله”. [رواه الترمذي].
- سبب لمغفرة الذنوب: قال صلى الله عليه وسلم: “من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة”. [رواه أحمد والترمذي].
- أثقل شيء في الميزان: قال صلى الله عليه وسلم في حديث البطاقة: “فيوضع السجلات، فتطيش السجلات، وتخرج البطاقة، فلا يضر مع اسم الله شيء”. [رواه الترمذي وابن ماجه].
- أفضل شعب الإيمان: قال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”. [رواه مسلم].
- غاية الخلق وأساس الرسالات: كما سبق بيانه في فضل التوحيد.
شروط صحة شهادة أن لا إله إلا الله
لا تنفع هذه الشهادة قائلها بمجرد النطق بها، بل لا بد من تحقيق شروطها، وهي:
- العلم بمعناها: العلم بما تنفيه (الإلهية عن غير الله) وما تثبته (الإلهية لله وحده).
- اليقين: الجزم والاعتقاد التام بمضمونها دون شك أو تردد.
- الإخلاص: قولها واعتقادها والعمل بمقتضاها خالصًا لوجه الله تعالى لا رياء ولا سمعة.
- الصدق: قولها عن صدق قلب لا عن كذب أو نفاق.
- المحبة: محبة الله تعالى ومحبة هذه الكلمة ومحبة أهلها والعمل بها.
- الانقياد: الانقياد لأوامر الله واجتناب نواهيه والعمل بشرعه.
- القبول: قبول ما تقتضيه هذه الكلمة بالقلب واللسان وعدم رد شيء منها.
- الكفر بما يعبد من دون الله: إنكار عبادة كل ما سوى الله والبراءة منه.
معنى شهادة أن لا إله إلا الله
معنى هذه الشهادة العظيمة هو:
- لا إله: نفي جميع الآلهة المعبودة من دون الله، وإبطال عبادتها.
- إلا الله: إثبات الألوهية الحقة لله وحده لا شريك له، وإفراده بالعبادة بجميع أنواعها.
فالمسلم بشهادته هذه ينكر ألوهية كل ما سوى الله من الأصنام والأوثان والأهواء والشهوات والأشخاص، ويثبت أن الله وحده هو المستحق للعبادة والخضوع والتذلل.
مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله
تقتضي هذه الشهادة من المسلم أمورًا عظيمة في جميع جوانب حياته، منها:
- إفراد الله بالعبادة: عدم صرف أي نوع من أنواع العبادة إلا لله وحده.
- اتباع شرعه: التحاكم إلى شرع الله في جميع الأمور والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه.
- محبة الله ورسوله: تقديم محبة الله ورسوله على محبة كل شيء.
- الولاء والبراء: موالاة المؤمنين ونصرتهم ومعاداة الكافرين والبراءة من شركهم.
- الدعوة إلى الله: دعوة الناس إلى التوحيد الخالص وبيان فضله.
- الجهاد في سبيل الله: جهاد النفس والهوى والشيطان والكفار لإعلاء كلمة الله.
- التوكل على الله: الاعتماد على الله وحده في جميع الأمور.
- الرضا بقضاء الله وقدره.
- شكر الله على نعمه.
- ذكر الله تعالى في كل حال.
آثار شهادة أن لا إله إلا الله على الفرد والمجتمع
لشهادة أن لا إله إلا الله آثار مباركة وعظيمة على حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:
على الفرد:
- تحقيق الأمن والطمأنينة: القلب الموحد يكون آمنًا مطمئنًا بذكر الله والتوكل عليه.
- الاستقامة على طريق الحق: التوحيد يهدي إلى الصراط المستقيم.
- العزة والكرامة: يستمد الموحد عزته من عبوديته لله وحده.
- الإخلاص في العمل: العمل يكون خالصًا لوجه الله.
- الفوز بالجنة والنجاة من النار.
على المجتمع:
- الوحدة والأخوة: التوحيد يوحد القلوب ويجمع المسلمين على هدف واحد.
- العدل والمساواة: المجتمع الموحد يقوم على العدل والمساواة بين الناس.
- القوة والمنعة: الأمة الموحدة تكون قوية في وجه أعدائها.
- البركة والخير: يحل البركة والخير في المجتمع الذي يقوم على التوحيد.
- الأمن والاستقرار: يسود الأمن والاستقرار في المجتمع المتمسك بالتوحيد.
نواقض شهادة أن لا إله إلا الله ومبطلاتها
يجب على المسلم أن يحذر أشد الحذر من نواقض شهادة أن لا إله إلا الله ومبطلاتها، وهي الشرك بأنواعه الأكبر والأصغر، وظنون الجاهلية، وكل ما يناقض معناها ومقتضياتها. الوقوع في ناقض من نواقض هذه الشهادة يبطلها ويخرج صاحبها من ملة الإسلام (في الشرك الأكبر) أو ينقص إيمانه ويضعفه (في الشرك الأصغر وظنون الجاهلية).
خاتمة
تتجلى عظمة شهادة أن لا إله إلا الله كأعظم كلمة وأجلّ عبادة، فهي مفتاح الإسلام وأساس الإيمان وسبب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. ليست هذه الشهادة مجرد قول باللسان، بل هي اعتقاد جازم بالقلب وإقرار باللسان وعمل بمقتضاها بالجوارح مع تحقيق شروطها والالتزام بمقتضياتها. إن فهم فضل هذه الشهادة ومعناها الحقيقي وآثارها المباركة يدفع المسلم إلى التمسك بها والحرص عليها وتنقيتها من كل ما يشوبها أو ينقصها. فنسأل الله تعالى أن يحيينا عليها ويميتنا عليها ويحشرنا في زمرة أهلها، وأن يجعلنا من الذين يشهدون بها حق الشهادة ويوفون بمقتضاها.