فضل الصبر عن المسألة

مقدمة
يُعد الصبر من أجلّ الأخلاق وأعظم الفضائل التي حث عليها الإسلام ورغب فيها، وهو زاد المؤمن في مواجهة صعاب الحياة وابتلاءاتها. ومن صور الصبر العظيمة والمحببة إلى الله تعالى، الصبر عن المسألة، أي التعفف عن سؤال الناس وحفظ النفس من ذل الحاجة إليهم، والتوجه بالطلب والحاجة إلى الله وحده. فالصبر عن المسألة دليل على عزة النفس وقوة الإيمان والتوكل الصادق على الله، وثقة بما عنده من فضل ورزق. إنه كنز عظيم يغني صاحبه في الدنيا ويرفع درجته في الآخرة. إن فهم فضل الصبر عن المسألة وأهميته وأنواعه وآثاره، والحرص على التحلي به، يُعد من علامات كمال الإيمان وقوة اليقين بالله تعالى.
لقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نصوص صريحة تبين فضل الصبر عمومًا، وفضل التعفف عن المسألة والثناء على أهله خصوصًا. كما بينت هذه النصوص ما أعده الله للصابرين من أجر عظيم في الدنيا والآخرة، وذمت سؤال الناس لغير ضرورة. إن استشعار فضل الصبر عن المسألة وما فيه من عزة وكرامة، والخوف من ذل السؤال، يدفع المسلم إلى الاجتهاد في الكسب الحلال والاستغناء عن الناس والتوجه بحاجته إلى الله وحده.
مفهوم الصبر عن المسألة وأهميته وفضله في الإسلام
مفهوم الصبر عن المسألة: هو التعفف عن سؤال الناس وحاجتهم، والتحمل على ضيق العيش والحاجة دون شكوى أو تذمر للناس، والتوجه بالطلب والحاجة إلى الله وحده مع بذل الأسباب المشروعة للكسب.
أهميته وفضله في الإسلام:
- دليل على عزة النفس وكرامتها: الصبر عن المسألة يجنب المؤمن ذل الحاجة إلى الناس ويحفظ كرامته وعزته.
- قوة الإيمان والتوكل على الله: الاعتماد على الله وحده في الرزق واليقين بفضله دليل على قوة الإيمان وصدق التوكل.
- تحقيق الاستغناء عن الناس: الصبر عن المسألة يورث المؤمن شعورًا بالغنى والاكتفاء بما قسم الله له.
- سبب لمحبة الله ورضوانه: الله تعالى يحب المتوكلين عليه والمستغنين به عن خلقه.
- الأجر العظيم في الدنيا والآخرة: وعد الله الصابرين أجرًا بغير حساب، والصبر عن المسألة من صور الصبر العظيمة.
- النجاة من ذل السؤال وعواقبه: سؤال الناس لغير ضرورة فيه مذلة وعرضة للرد والمنع.
- الاقتداء بالأنبياء والصالحين: فقد كانوا يتعففون عن سؤال الناس ويصبرون على ضيق العيش.
الأدلة الشرعية التي تحث على الصبر عن المسألة وتثني على أهله
وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تحث على الصبر عمومًا وعلى التعفف عن المسألة خصوصًا:
من القرآن الكريم: قال تعالى في وصف المستحقين للصدقة: “لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” (البقرة: 273). هذه الآية تثني على الفقراء المتعففين عن سؤال الناس مع حاجتهم، وتصفهم بعلامات تدل عليهم، وتحث على إعانتهم.
من السنة النبوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اليد العليا خير من اليد السفلى” (متفق عليه). واليد العليا هي المنفقة المعطية، واليد السفلى هي السائلة الآخذة. وهذا الحديث يحث على العطاء والاستغناء عن السؤال. وقال صلى الله عليه وسلم: “من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله” (متفق عليه). وهذا الحديث يبين أن من طلب العفاف أعانه الله عليه، ومن طلب الغنى أغناه الله، ومن تصبر على البلاء أعانه الله على الصبر. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: “يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى”، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا (متفق عليه). وهذا يدل على ذم الإلحاح في السؤال والثناء على التعفف.
أنواع الصبر عن المسألة
يمكن تقسيم الصبر عن المسألة إلى أنواع بحسب الدافع إليه:
- الصبر عن المسألة لله تعالى: وهو أعلى الأنواع، حيث يصبر المؤمن عن سؤال الناس ابتغاء مرضاة الله والتوكل عليه واليقين بفضله.
- الصبر عن المسألة لعزة النفس وكرامتها: حيث يأنف المؤمن من ذل السؤال ويحافظ على كرامته وعزته.
- الصبر عن المسألة خوفًا من ذم الناس: حيث يخشى المؤمن أن يذمه الناس أو يحتقروه إذا علموا بحاجته وسؤاله.
- الصبر عن المسألة طمعًا في مدحهم: حيث يرجو المؤمن أن يمدحه الناس ويثنوا عليه لتعففه. وهذا النوع قد يشوبه الرياء.
والأكمل هو الصبر عن المسألة لله تعالى مع عزة النفس والترفع عن ذل السؤال.
آثار الصبر عن المسألة في الدنيا والآخرة
للصبر عن المسألة آثار مباركة في الدنيا والآخرة:
في الدنيا:
- عزة النفس وكرامتها.
- محبة الناس وتقديرهم.
- راحة البال وطمأنينة القلب.
- تيسير الأمور وقضاء الحاجات من حيث لا يحتسب.
- البركة في الرزق.
- الاستغناء عن المخلوق والتعلق بالخالق.
في الآخرة:
- الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى.
- الرفعة في الدرجات.
- النجاة من ذل السؤال وعقوبته.
- دخول الجنة بغير حساب أو بحساب يسير.
- رضوان الله تعالى.
التحذير من سؤال الناس لغير ضرورة
يحذر الإسلام بشدة من سؤال الناس لغير ضرورة أو مع القدرة على الكسب والعمل:
- ذم السؤال في السنة النبوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم” (متفق عليه). وهذا وعيد شديد لمن اعتاد سؤال الناس لغير حاجة. وقال صلى الله عليه وسلم: “من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر” (رواه مسلم). وهذا يدل على أن سؤال الناس لزيادة المال من غير حاجة هو سبب للعذاب في الآخرة.
- وجوب العمل والكسب: حث الإسلام على العمل والكسب الحلال والاستغناء عن سؤال الناس.
- جواز السؤال عند الضرورة: أجاز الإسلام سؤال الناس عند الضرورة القصوى وعدم وجود سبيل آخر لقضاء الحاجة، مع حفظ الكرامة والتعفف قدر المستطاع.
الخاتمة
إن فضل الصبر عن المسألة عظيم وأثره مبارك في الدنيا والآخرة. فهو دليل على عزة النفس وقوة الإيمان والتوكل على الله، وسبب لنيل محبته ورضوانه والأجر العظيم. وقد حذر الإسلام بشدة من سؤال الناس لغير ضرورة لما فيه من ذل وعاقبة وخيمة. لذا، ينبغي على كل مسلم أن يجاهد نفسه على التعفف عن سؤال الناس والتوجه بحاجته إلى الله وحده مع بذل الأسباب المشروعة للكسب، وأن يصبر على ضيق العيش والابتلاء، رجاء نيل فضل الله وعظيم ثوابه. ونسأل الله تعالى أن يرزقنا العفاف والغنى به عن خلقه وأن يجعلنا من الصابرين المحتسبين.