الشرك وأنواعه

مقدمة
يُمثل التوحيد الخالص لله عز وجل الركيزة الأساسية للدين الإسلامي، وكل ما يخالف هذا الأصل العظيم يُعدّ شركًا، وهو أعظم الذنوب وأخطرها على الإطلاق. الشرك هو ببساطة تسوية غير الله بالله في أي من خصائصه أو حقوقه، سواء في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته، أو صرف شيء من العبادة التي لا تستحق إلا لله إلى غيره. إنه الظلم الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة الصادقة، وسبب للخلود في النار لمن مات عليه ولم يتب. يتخذ الشرك صورًا وأشكالًا متنوعة، بعضها يُخرج من ملة الإسلام، وبعضها الآخر ينقص الإيمان ويضعفه ويُخشى منه أن يؤدي إلى الشرك الأكبر. إن فهم حقيقة الشرك وأنواعه ومظاهره وآثاره الوخيمة وسبل الوقاية منه يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية لكل مسلم يسعى إلى تحقيق التوحيد الخالص والنجاة من غضب الله وعقابه. هذا البحث يسعى إلى استجلاء مفهوم الشرك وبيان خطورته وكيفية اجتنابه.
مفهوم الشرك وخطورته في الإسلام
الشرك لغةً يعني المشاركة والتسوية، واصطلاحًا يعني جعل شريك لله في أي أمر من الأمور التي هي من خصائصه سبحانه. وتكمن خطورة الشرك في أنه أعظم الذنوب وأشدها إثمًا، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم أنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. كما وصفه بأنه الظلم العظيم. والسبب في عظم جرم الشرك هو أنه إنكار لأعظم الحقوق وهو حق الله تعالى في التوحيد والعبادة وحده، وفيه تنقيص من عظمة الله وجلاله بتسوية المخلوق الضعيف به سبحانه.
أنواع الشرك ومظاهره
ينقسم الشرك في الإسلام إلى نوعين رئيسيين: الشرك الأكبر والشرك الأصغر.
- الشرك الأكبر: هو صرف أي نوع من أنواع العبادة التي لا تستحق إلا لله تعالى إلى غيره، أو اعتقاد أن لغير الله من الصفات أو الأفعال ما يختص به سبحانه. من مظاهره دعاء الأموات أو الأولياء لقضاء الحاجات، والاستغاثة بهم في الشدائد التي لا يقدر عليها إلا الله، والنذر أو الذبح لغير الله، والخوف من غير الله خوفًا طبيعيًا يتحول إلى خوف عبادة، ومحبة غير الله كمحبة الله أو أشد. كما يدخل في الشرك الأكبر اعتقاد أن هناك خالقًا أو مدبرًا للكون مع الله، أو اعتقاد أن لغير الله حق التشريع المطلق.
- الشرك الأصغر: هو كل قول أو فعل ورد في الشرع تسميته شركًا ولكنه لا يصل إلى حد الشرك الأكبر. وهو وسيلة قد تؤدي إلى الشرك الأكبر. من مظاهره الرياء في العبادات كأن يصلي ليراه الناس ويثنوا عليه، والحلف بغير الله كالحلف بالنبي أو بالكعبة، وقول بعض الألفاظ التي فيها تسوية المخلوق بالخالق مثل قول “ما شاء الله وشئت”، وتعليق التمائم أو الاعتقاد في بعض الرقى التي لم يثبت شرعيتها أنها تجلب النفع أو تدفع الضر بذاتها.
الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر
الفرق الأساسي بين الشرك الأكبر والأصغر يكمن في الأثر المترتب على كل منهما. فالشرك الأكبر يُخرج صاحبه من ملة الإسلام ويوجب له الخلود في النار إن مات عليه ولم يتب منه، كما أنه يحبط جميع الأعمال. أما الشرك الأصغر فلا يُخرج من الملة ولا يوجب الخلود في النار، ولكنه ينقص الإيمان ويضعفه وقد يؤدي إلى الشرك الأكبر، كما أنه قد يحبط ثواب العمل الذي قارنه.
مظاهر الشرك الخفية
قد يتسلل الشرك إلى قلب المسلم بصورة خفية لا ينتبه إليها إلا الراسخون في العلم. ومن مظاهر الشرك الخفي الرياء الخفي وهو فعل الطاعة مع إخفاء إرادة ثناء الناس، والتعلق بالدنيا وتقديمها على مرضاة الله، والخوف المبالغ فيه من المخلوقين مع نسيان قدرة الله، والرضا بفعل المعصية لأجل رضا الناس. هذا النوع من الشرك وإن كان أصغر إلا أنه خطير لأنه ينقص الإخلاص الذي هو روح العبادة.
آثار الشرك الوخيمة على الفرد والمجتمع
للشرك آثار سلبية وخيمة على حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة. على مستوى الفرد، يحرمه الشرك من مغفرة الله، ويوقعه في الظلم الأكبر، ويجعله يعيش في قلق واضطراب لتعلقه بغير الله، ويذله لغير خالقه، ويؤدي به إلى الهلاك الأبدي إن لم يتدارك نفسه بالتوبة. وعلى مستوى المجتمع، يؤدي الشرك إلى الفرقة والنزاع والضعف، ويجعل المجتمع عرضة للعذاب وعدم التوفيق، كما أنه ينشر الخرافات والأوهام ويضعف الثقة بالله والتوكل عليه.
سبل الوقاية من الشرك
توجد عدة وسائل مهمة للوقاية من الشرك وتحصين النفس منه. أولها تعلم العلم الشرعي الصحيح الذي يبين حقيقة التوحيد وأقسامه وما يناقضه من أنواع الشرك. ثانيها تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية والوقوف على الآيات والأحاديث التي تحذر من الشرك وتبين خطورته. ثالثها الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بأن يعيذ المسلم من الشرك صغيره وكبيره. رابعها مجالسة أهل التوحيد الصادقين والاستفادة من علمهم وهديهم. خامسها الحذر من مواطن الشبهات والفتن التي قد تؤدي إلى الوقوع في الشرك. سادسها تجديد التوبة والاستغفار باستمرار. وأخيرًا، العمل الصالح الخالص لوجه الله تعالى هو الحصن الحصين من الوقوع في براثن الشرك.
خاتمة
يتبين لنا أن الشرك في الإسلام هو أعظم الذنوب وأخطرها، وله أنواع ومظاهر وآثار وخيمة على الفرد والمجتمع. إن تحقيق التوحيد الخالص لله عز وجل واجتناب الشرك بجميع صوره وأشكاله هو أساس الدين وأساس النجاة في الدنيا والآخرة. لذا، فإن على كل مسلم أن يجتهد في تعلم حقيقة التوحيد ومنافاة الشرك له، وأن يسعى جاهدًا لتخليص قلبه وعمله من أي شائبة من شوائب الشرك، وأن يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع ليحفظه من هذا البلاء العظيم. فالتوحيد هو النور الذي يضيء للمسلم طريقه إلى الجنة، والشرك هو الظلمات التي تهوي به إلى النار.