الضمائر

مقدمة
تُعد اللغة العربية من اللغات الغنية بمفرداتها وتراكيبها النحوية والصرفية، ومن أبرز مكونات هذه اللغة وأكثرها شيوعًا واستخدامًا “الضمائر”. فالضمير كلمة تحل محل الاسم الظاهر، وتؤدي وظيفة الإحالة إليه، مما يساهم في إيجاز الكلام وتجنب التكرار المخل بالمعنى أو بالجمال اللغوي. تلعب الضمائر دورًا حيويًا في ربط أجزاء الجملة ببعضها، وفي تحقيق التناسق والانسجام في النص. إن فهم الضمائر وأنواعها وكيفية استخدامها وإعرابها يُعد أمرًا أساسيًا لإتقان قواعد اللغة العربية والتعبير بها بدقة وطلاقة.
تعريف الضمير وأهميته في اللغة العربية
تعريف الضمير: الضمير في اللغة هو ما أُضمر في النفس وخفي. وفي اصطلاح النحاة، هو كلمة تحل محل الاسم الظاهر وتدل على متكلم أو مخاطب أو غائب. الضمائر كلها من المعارف، أي أنها تدل على شيء محدد ومعلوم للمتكلم والمخاطب (أو المتكلم فقط في بعض الحالات).
أهمية الضمائر: تكمن أهمية الضمائر في اللغة العربية في عدة جوانب:
- الإيجاز: تُغني الضمائر عن تكرار الاسم الظاهر، مما يجعل الكلام أكثر إيجازًا وتكثيفًا. بدلًا من قول “جاء محمدٌ ومحمدٌ سعيدٌ”، نقول “جاء محمدٌ وهو سعيدٌ”.
- ربط الأجزاء: تساعد الضمائر المتصلة والمستترة في ربط الفعل بفاعله أو مفعوله، والاسم بمضافه إليه، والحرف بما تعلق به، مما يسهم في تماسك بنية الجملة.
- تحقيق الانسجام اللغوي: يساهم استخدام الضمائر بشكل صحيح في تحقيق تدفق طبيعي وسلس في اللغة وتجنب الرتابة الناتجة عن التكرار.
- الدلالة على الإحالة: تقوم الضمائر بوظيفة الإحالة إلى اسم سابق (أو لاحق في بعض الحالات النادرة) أو إلى مفهوم معروف من السياق، مما يربط بين الجمل والعبارات.
تصنيف الضمائر حسب الظهور والاتصال
هذا هو التصنيف الأكثر شيوعًا للضمائر في كتب النحو، ويقسمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
الضمائر المنفصلة: وهي الضمائر التي يمكن أن تستقل بنفسها في النطق والكتابة، ولا تتصل بكلمة أخرى. وتنقسم إلى:
- ضمائر الرفع المنفصلة: وهي اثنا عشر ضميرًا، وتأتي غالبًا في محل رفع مبتدأ، أو في محل رفع توكيد لفظي للضمير المتصل أو المستتر، أو بعد “إلا” في أسلوب الحصر. وهي:
- للمتكلم: أنا (مفرد مذكر ومؤنث)، نحن (مثنى وجمع مذكر ومؤنث).
- للمخاطب: أنتَ (مفرد مذكر)، أنتِ (مفرد مؤنث)، أنتما (مثنى مذكر ومؤنث)، أنتم (جمع مذكر)، أنتنّ (جمع مؤنث).
- للغائب: هو (مفرد مذكر)، هي (مفرد مؤنث)، هما (مثنى مذكر ومؤنث)، هم (جمع مذكر)، هنّ (جمع مؤنث).
- أمثلة:
- أنا مجتهدٌ. (أنا: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ).
- الطلابُ همُ الأملُ. (همُ: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع توكيد للضمير المستتر في “الطلابُ”).
- ما جاء إلا أنتَ. (أنتَ: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل).
- ضمائر النصب المنفصلة: وهي اثنا عشر ضميرًا تبدأ كلها بـ “إيّا” وتتصل بها علامة تدل على العدد والجنس. وتأتي غالبًا في محل نصب مفعول به مقدم على فعله، أو بعد “إلا” في أسلوب الحصر. وهي:
- للمتكلم: إيايَ (مفرد)، إيانا (مثنى وجمع).
- للمخاطب: إياكَ (مفرد مذكر)، إياكِ (مفرد مؤنث)، إياكما (مثنى مذكر ومؤنث)، إياكم (جمع مذكر)، إياكنّ (جمع مؤنث).
- للغائب: إياه (مفرد مذكر)، إياها (مفرد مؤنث)، إياهما (مثنى مذكر ومؤنث)، إياهم (جمع مذكر)، إياهنّ (جمع مؤنث).
- أمثلة:
- إياكَ نعبدُ. (إياكَ: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم).
- ما رأيتُ إلا إياهُ. (إياهُ: ضمير منفصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به).
الضمائر المتصلة: وهي الضمائر التي تتصل دائمًا بكلمة أخرى (فعل، اسم، حرف). وتأتي في محل رفع أو نصب أو جر حسب نوع الكلمة التي تتصل بها وموقعها في الجملة.
- الضمائر المتصلة في محل رفع: تتصل بالأفعال وتكون في محل رفع فاعل أو نائب فاعل. وهي:
- تاء الفاعل المتحركة: تُتصل بالفعل الماضي وتدل على الفاعل. أمثلة: كتبْتُ، كتبْتَ، كتبْتِ.
- ألف الاثنين: تُتصل بالفعل الماضي والمضارع وفعل الأمر وتدل على اثنين قاما بالفعل. أمثلة: كتبا، يكتبانِ، اكتُبا.
- واو الجماعة: تُتصل بالفعل الماضي والمضارع وفعل الأمر وتدل على جماعة الذكور قامت بالفعل. أمثلة: كتبوا، يكتبونَ، اكتُبوا.
- نون النسوة: تُتصل بالفعل الماضي والمضارع وفعل الأمر وتدل على جماعة الإناث قمن بالفعل. أمثلة: كتبْنَ، يكتبْنَ، اكتُبْنَ.
- ياء المخاطبة: تُتصل بالفعل المضارع وفعل الأمر وتدل على المخاطبة المفردة المؤنثة. أمثلة: تكتبينَ، اكتُبي.
- أمثلة في محل رفع فاعل: الطلابُ كتبوا الدرسَ. (الواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل).
- أمثلة في محل رفع نائب فاعل: الدرسُ كُتِبَ. (نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو). الكتبُ كُتِبَتْ. (التاء: حرف تأنيث، نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هي). الطلابُ كُتِبَوا. (الواو: ضمير متصل مبني في محل رفع نائب فاعل).
- الضمائر المتصلة في محل نصب: تتصل بالأفعال فتكون في محل نصب مفعول به، أو تتصل بـ “إنّ وأخواتها” فتكون في محل نصب اسمها. وهي:
- هاء الغائب: تتصل بالأفعال والأسماء والحروف وتدل على الغائب. أمثلة: كتبَهُ، كتابُهُ، لَهُ، إنَّهُ. (في الفعل والاسم والحرف).
- كاف المخاطب: تتصل بالأفعال والأسماء والحروف وتدل على المخاطب. أمثلة: كتبَكَ، كتابُكَ، لَكَ، إنَّكَ. (في الفعل والاسم والحرف).
- ياء المتكلم: تتصل بالأفعال والأسماء والحروف وتدل على المتكلم. أمثلة: كتبَنِي (مع نون الوقاية)، كتابِي، لِي، إنَّنِي (مع نون الوقاية). (في الفعل والاسم والحرف).
- ناء المتكلمين: تتصل بالأفعال والأسماء والحروف وتدل على المتكلمين. أمثلة: كتبَنا، كتابُنا، لَنا، إنَّنا. (في الفعل والاسم والحرف). هذه الناء قد تأتي أيضًا في محل رفع فاعل أو نائب فاعل حسب سياقها واتصالها بالفعل الماضي. مثال: كتبْنا الدرسَ (نا: فاعل)، كُتِبَنا الدرسُ (نا: نائب فاعل).
- أمثلة في محل نصب مفعول به: المعلمُ كافأهُ. (الهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به).
- أمثلة في محل نصب اسم إنّ: إنَّكَ مجتهدٌ. (الكاف: ضمير متصل مبني في محل نصب اسم إنّ).
- الضمائر المتصلة في محل جر: تتصل بالأسماء فتكون في محل جر مضاف إليه، أو تتصل بحروف الجر فتكون في محل جر بحرف الجر. وهي:
- هاء الغائب: مثال: هذا كتابُهُ. مررتُ بهِ.
- كاف المخاطب: مثال: هذا كتابُكَ. مررتُ بكَ.
- ياء المتكلم: مثال: هذا كتابِي. مررتُ بِي.
- ناء المتكلمين: مثال: هذا كتابُنا. مررتُ بِنا.
- أمثلة في محل جر مضاف إليه: هذا بيتُهم. (هم: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه).
- أمثلة في محل جر بحرف الجر: تحدثتُ إلَيّكَ. (الكاف: ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر إلى).
الضمائر المستترة: وهي الضمائر التي لا تظهر في النطق ولا في الكتابة، ولكنها تُقدر تقديرًا في ذهن المتلقي بناءً على سياق الكلام وصيغة الفعل. تكون الضمائر المستترة دائمًا في محل رفع فاعل أو نائب فاعل. وتنقسم إلى:
- الاستتار وجوبًا: أي لا يجوز إظهار الضمير في هذه الحالات. وذلك في الفعل المضارع المسند إلى المتكلم المفرد (أنا) أو المتكلمين (نحن)، وفي الفعل المضارع المسند إلى المخاطب المفرد المذكر (أنتَ)، وفي فعل الأمر المسند إلى المخاطب المفرد المذكر (أنتَ).
- أكتبُ الدرسَ. (الفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره “أنا”).
- نكتبُ الدرسَ. (الفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره “نحن”).
- اكتبْ الدرسَ. (الفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره “أنتَ”).
- يكتبُ الدرسُ. (هنا الفاعل اسم ظاهر، لكن لو قُلنا: الطالبُ يكتبُ. فالفاعل ضمير مستتر جوازًا).
- الاستتار جوازًا: أي يجوز إظهار الضمير في هذه الحالات، ولكن حذفه هو الأكثر شيوعًا. وذلك في الفعل المضارع المسند إلى الغائب المفرد المذكر (هو) والغائبة المفردة المؤنثة (هي)، وفي الفعل الماضي المسند إلى الغائب المفرد المذكر (هو) والغائبة المفردة المؤنثة (هي).
- الطالبُ يكتبُ. (الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره “هو”).
- الطالبةُ تكتبُ. (الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره “هي”).
- الطالبُ كتبَ. (الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره “هو”).
- الطالبةُ كتبتْ. (الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره “هي”).
تصنيف الضمائر حسب الإحالة (الشخص)
يمكن تصنيف الضمائر أيضًا بناءً على الشخص الذي تشير إليه:
- ضمائر المتكلم: تشير إلى المتكلم أو المتكلمين. وتشمل: أنا، نحن (منفصلة رفع)، إياي، إيانا (منفصلة نصب)، التاء في “كتبتُ”، نا المتكلمين في “كتبنا”، الياء في “كتابي”، النا في “كتابنا”، الياء في “لي”، النا في “لنا”، ياء المتكلم مع الفعل بعد نون الوقاية (كتبني)، نون المتكلمين مع الفعل (كتبنا).
- ضمائر المخاطب: تشير إلى الشخص أو الأشخاص الذين نتحدث إليهم. وتشمل: أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتنّ (منفصلة رفع)، إياكَ…إياكنّ (منفصلة نصب)، التاء في “كتبتَ/كتبتِ/كتبتما/كتبتم/كتبتنّ”، ألف الاثنين في “اكتبا”، واو الجماعة في “اكتبوا”، نون النسوة في “اكتبن”، ياء المخاطبة في “اكتبي”، الكاف في “كتابك”، الكاف في “لك”.
- ضمائر الغائب: تشير إلى الشخص أو الأشخاص أو الشيء أو الأشياء التي نتحدث عنها ولكنها غير حاضرة. وتشمل: هو، هي، هما، هم، هنّ (منفصلة رفع)، إياه…إياهنّ (منفصلة نصب)، ألف الاثنين في “كتبا”، واو الجماعة في “كتبوا”، نون النسوة في “كتبن”، الهاء في “كتابه”، الهاء في “له”.
الإعراب التفصيلي للضمائر
كما ذكرنا سابقًا، فإن معظم الضمائر مبنية، أي أن حركتها الأخيرة لا تتغير بتغير موقعها الإعرابي. ولكنها تكون في محل رفع أو نصب أو جر حسب موقعها. عند إعراب الضمير، نذكر نوعه (منفصل، متصل، مستتر)، وبناءه (على حركة آخره مثل مبني على الضم، السكون، الفتح، الكسر)، ثم محله الإعرابي (في محل رفع فاعل/نائب فاعل/مبتدأ، في محل نصب مفعول به/اسم إنّ، في محل جر مضاف إليه/بحرف الجر).
قواعد واعتبارات متعلقة بالضمائر
- المطابقة: يجب أن يطابق الضمير المرجع الذي يعود عليه في الجنس (التذكير والتأنيث) والعدد (الإفراد والتثنية والجمع). مثال: جاء الطالبُ فكافأهُ المعلمُ. جاء الطالبةُ فكافأها المعلمُ. جاء الطلابُ فكافأهم المعلمُ.
- مرجع الضمير: الأصل أن يعود الضمير على اسم ظاهر قد تقدم ذكره في الكلام (مرجع سابق). وقد يعود في بعض الحالات على متكلم أو مخاطب حاضر في الذهن أو الخطاب. ونادرًا ما يعود على اسم متأخر في اللفظ ولكنه متقدم في الرتبة أو النية.
- ترتيب الضمائر المتصلة: عند اتصال أكثر من ضمير بالفعل، هناك قواعد محددة لترتيبها (مثل تقديم ضمير النصب على ضمير الرفع إذا اجتمعا).
- نون الوقاية: هي نون تُزاد قبل ياء المتكلم المتصلة بالفعل، وذلك لوقاية الفعل من الكسر الذي تستلزمه ياء المتكلم. مثال: كتبَ + نِي = كتبَني.
- الضمائر مع الأفعال الناقصة والحروف الناسخة: تتصل الضمائر بالأفعال الناقصة (كان وأخواتها) وتكون في محل رفع اسمها (كنتُ، كانوا)، كما تتصل بالحروف الناسخة (إنّ وأخواتها) وتكون في محل نصب اسمها (إنّي، إنّه).
خاتمة
تُعد الضمائر من العناصر الأساسية والثروات اللغوية في اللغة العربية، فهي تساهم في إيجاز الكلام وتماسكه وتدفقه. من خلال تصنيفاتها المتعددة حسب الظهور والاتصال والإحالة، وحالاتها الإعرابية المختلفة، وقواعد مطابقتها للمرجع الذي تعود عليه، توفر الضمائر للمتحدث والكاتب القدرة على التعبير عن المعاني بدقة ووضوح مع تجنب التكرار غير المرغوب فيه. إن إتقان استخدام الضمائر وفهم إعرابها يُعد خطوة حاسمة في رحلة تعلم اللغة العربية والتمكن منها. فهي مفتاح لفهم النصوص المعقدة وبناء تراكيب لغوية متينة ومعبرة.