مكانة الأنبياء عليهم السلام

مقدمة
يُعد الإيمان بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ركنًا أصيلًا من أركان الإيمان في الإسلام، فلا يصح إيمان عبد إلا بالإيمان بهم جميعًا، وتصديقهم فيما أُرسلوا به من عند الله تعالى. لقد اصطفى الله عز وجل هؤلاء الصفوة من خلقه لحمل رسالاته إلى الناس، وتبليغ وحيه، وإرشادهم إلى طريق الحق والهداية. فهم خير البشر وأزكاهم وأطهرهم، وقد خصهم الله بخصائص وفضائل ومكانة عظيمة. إلا أن هذه المكانة الرفيعة لم تجعلهم آلهة أو أربابًا يُعبدون من دون الله، بل هم عباد مُكرمون ورسل مُبلغون، تجري عليهم سنن البشرية من الحاجة والمرض والموت. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأنبياء عليهم السلام ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله إياها، لأن ذلك يُعد انحرافًا عن التوحيد الخالص ووقوعًا في الشرك الذي هو أعظم الذنوب. إن فهم المكانة الحقيقية للأنبياء عليهم السلام في الإسلام، وبيان فضائلهم وخصائصهم، والتحذير من تجاوز الحد في تعظيمهم، يمثل ضرورة لكل مسلم يسعى للاعتدال في دينه وتجنب الغلو والتقصير على حد سواء.
المكانة العظيمة للأنبياء عليهم السلام في الإسلام
يتبوأ الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام مكانة عظيمة في الإسلام، تتجلى في جوانب عديدة:
- اصطفاء الله واختياره لهم: لقد اصطفى الله هؤلاء الأنبياء من بين سائر البشر لحمل رسالاته وتبليغ وحيه، فهم خير الخلق وأزكاهم وأطهرهم. قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: 75).
- حمل الرسالة والوحي: هم الوسائط بين الله وخلقه في تبليغ الشرائع والأحكام، وقد أوحى الله إليهم بالهدى والنور لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
- القدوة الحسنة: هم الأسوة والنموذج الأمثل للبشر في أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم، وقد أمرنا الله باتباعهم والاقتداء بهم. قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: 90).
- التأييد بالمعجزات: أيد الله أنبياءه بمعجزات حسية وعقلية تدل على صدق نبوتهم ورسالتهم، لتكون حجة على أقوامهم ودليلًا على قدرت الله.
- التفضيل والدرجات الرفيعة: فضل الله بعض الأنبياء على بعض ورفع درجاتهم. قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة: 253). ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الأنبياء وخاتمهم وأفضلهم على الإطلاق.
- الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان: لا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وتصديقهم فيما جاءوا به.
الأدلة من القرآن والسنة على فضل الأنبياء وخصائصهم
وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من الآيات والأحاديث التي تبين فضل الأنبياء وخصائصهم:
من القرآن الكريم:
- الثناء عليهم وتزكيتهم: أثنى الله على أنبيائه ورسله في مواضع كثيرة من القرآن وزكاهم ووصفهم بأوصاف الكمال.
- ذكر قصصهم وأخبارهم: قص الله علينا أخبار الأنبياء وأممهم للعبرة والعظة وبيان سنة الله في نصرة الحق وأهله وهلاك الباطل وأهله.
- الأمر بالإيمان بهم: أمر الله المؤمنين بالإيمان بجميع الأنبياء وعدم التفريق بينهم. قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 136).
من السنة النبوية الشريفة:
- بيان فضلهم على سائر البشر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر”.
- ذكر فضائل خاصة لبعض الأنبياء: كفضل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.
- الحث على الصلاة والسلام عليهم: أمرنا الله ورسوله بالصلاة والسلام على الأنبياء. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56).
التحذيرات الشديدة من الغلو في الأنبياء ورفعم فوق منزلتهم البشرية
حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأنبياء ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله إياها، لما في ذلك من محادة لله تعالى ووقوع في الشرك:
- النهي عن تجاوز الحد في مدحهم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإطراء والغلو في مدحه كما فعلت النصارى بعيسى ابن مريم عليه السلام. قال صلى الله عليه وسلم: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله”.
- بيان أنهم بشر مخلوقون: أكد القرآن الكريم على بشرية الأنبياء وأنهم لا يملكون من الأمر شيئًا إلا ما أذن الله لهم به. قال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأعراف: 188).
- التحذير من عبادتهم أو دعائهم من دون الله: نهى الإسلام عن صرف أي نوع من أنواع العبادة للأنبياء أو غيرهم من المخلوقين. قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (يونس: 106). والظالم هنا بمعنى المشرك.
- ذم الأمم التي غلت في أنبيائها: ذم الله في القرآن الكريم الأمم السابقة التي غلت في أنبيائها ورفعتهم إلى مرتبة الألوهية أو اتخذتهم أربابًا من دون الله، كفعل النصارى بعيسى عليه السلام واليهود بعزير عليه السلام.
صور الغلو في الأنبياء التي وقعت فيها بعض الأمم السابقة وأثرها المدمر
لقد وقعت بعض الأمم السابقة في الغلو في أنبيائها مما أدى إلى انحراف عقيدتهم ووقوعهم في الشرك، ومن أبرز هذه الصور:
- رفعهم إلى مرتبة الألوهية أو بنوة الله: كما فعلت النصارى بعيسى ابن مريم عليه السلام حيث قالوا إنه ابن الله أو هو الله أو ثالث ثلاثة.
- اتخاذهم أربابًا من دون الله: بدعائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم.
- بناء المعابد والقباب على قبورهم: واتخاذها أماكن للعبادة والتبرك.
- تصويرهم وتجسيدهم: مما أدى إلى عبادتهم من دون الله.
- المبالغة في مدحهم وإطرائهم: حتى وصلوا إلى وصفهم بصفات لا تليق إلا بالله تعالى.
وقد أدت هذه الصور من الغلو إلى ضلال تلك الأمم وابتعادها عن التوحيد الخالص الذي جاء به الأنبياء.
الموقف الإسلامي الوسطي الذي يكرم الأنبياء ويتبعهم مع إفراد الله بالعبادة
يتميز الموقف الإسلامي تجاه الأنبياء عليهم السلام بالاعتدال والتوازن، فهو يكرمهم ويجلهم ويؤمن بنبوتهم ورسالاتهم ويتبع هديهم وسنتهم، وفي الوقت نفسه يفردهم بالعبادة وحده لا شريك له. يتجلى هذا الموقف الوسطي في:
- الإيمان بهم جميعًا وعدم التفريق بينهم.
- محبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم بما يليق بمقامهم النبوي.
- الاقتداء بهم واتباع سنتهم في العبادة والأخلاق والمعاملات.
- الصلاة والسلام عليهم كما أمر الله ورسوله.
- إدراك أنهم بشر مخلوقون لا يملكون من الأمر شيئًا إلا بإذن الله.
- رفض الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم البشرية.
- إفراد الله وحده بالعبادة والدعاء والاستعانة والتوكل والنذر والذبح.
- الحذر من اتخاذ قبورهم أماكن للعبادة أو التبرك.
أهمية الفهم الصحيح لمكانة الأنبياء في الحفاظ على نقاء التوحيد
إن الفهم الصحيح لمكانة الأنبياء عليهم السلام هو صمام الأمان للحفاظ على نقاء التوحيد وتجنب الوقوع في الشرك. فعندما يدرك المسلم المنزلة الحقيقية للأنبياء وأنهم عباد مُكرمون ورسل مُبلغون، فإنه يكرمهم ويتبعهم دون أن يرفعهم إلى مرتبة الألوهية أو يصرف لهم شيئًا من أنواع العبادة التي لا تستحق إلا لله وحده. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجهل بمكانتهم أو الغلو فيهم قد يؤدي إلى الانحراف عن التوحيد والوقوع في الشرك الذي هو أعظم خطر يهدد عقيدة المسلم. لذا، فإن تعليم الناس المكانة الصحيحة للأنبياء والتحذير من الغلو فيهم هو من أهم واجبات العلماء والدعاة.
الخاتمة
إن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام هم صفوة خلق الله وخيرتهم، وقد اختارهم لحمل رسالاته وتبليغ وحيه. لهم في الإسلام مكانة عظيمة وفضل كبير، ويجب على المسلمين الإيمان بهم ومحبتهم وتوقيرهم والاقتداء بهديهم. إلا أن هذا التكريم والإجلال يجب أن يبقى في حدوده المشروعة دون غلو أو تجاوز، مع إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له. لقد حذر الإسلام بشدة من الغلو في الأنبياء ورفعهم فوق منزلتهم البشرية، لما في ذلك من محادة لله ووقوع في الشرك الذي هو أعظم الذنوب. إن الموقف الإسلامي الوسطي يكرم الأنبياء ويتبعهم مع إفراد الله بالعبادة، وهذا هو سبيل النجاة والفلاح. فلنحرص جميعًا على فهم هذه القضية الهامة في عقيدتنا والعمل بمقتضاها، سائلين الله تعالى أن يرزقنا حب أنبيائه واتباع سنتهم مع تحقيق التوحيد الخالص له وحده.