شمائل النبي

مقدمة
تُعدّ شمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي صفاته الخَلقية (الجسدية) والخُلُقية (الأدبية والمعنوية)، كنزًا عظيمًا وسيرة عطرة تستحق الدراسة والتأمل والاقتداء. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خَلقًا وخُلُقًا، وقد وصفه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بأوصاف دقيقة تُظهر جماله الظاهر وبهاءه الباطن. إن معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم تُعين المسلم على محبته والاقتداء به واتباع سنته، كما أنها تُقدم صورة حية عن عظمة هذا النبي الكريم الذي اصطفاه الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين وقدوة للعالمين.
لقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم اهتمامًا بالغًا بنقل أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وأمانة، وتناقلها التابعون من بعدهم، حتى وصلت إلينا في كتب السيرة والشمائل. هذه الأوصاف لا تُقدم لنا مجرد صورة جسدية للنبي صلى الله عليه وسلم، بل تكشف عن جوانب من شخصيته النبيلة ورحمته وعفوه وتواضعه وحكمته. إن التأمل في هذه الشمائل يُزيد من إيماننا وعمق محبتنا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويُلهمنا للسير على هديه والاقتداء بأخلاقه الفاضلة.
يهدف هذا البحث إلى استعراض شمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشقيها الخَلقي والخُلُقي، مستندين إلى ما ورد في الأحاديث الصحيحة وكتب السيرة المعتمدة. سنسعى لتوضيح جماله الظاهر وأوصافه الجسدية، ثم نتناول جوانب من أخلاقه الرفيعة وصفاته المعنوية السامية. إن التعرف على هذه الشمائل المباركة يُعدّ مفتاحًا لفهم عظمة النبي صلى الله عليه وسلم وتأثيره العظيم على البشرية.
شمائله الخَلقية (أوصافه الجسدية)
وصف الصحابة الكرام رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بأوصاف دقيقة تُظهر جماله وكمال خلقه:
- القامة والبنية: كان صلى الله عليه وسلم مربوع القامة، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتناهي، ولكنه كان إلى الطول أقرب. كان حسن الجسم، معتدل البنية، قويًا.
- الوجه: كان وجهه صلى الله عليه وسلم أزهرًا، أي مشرقًا مضيئًا كالقمر ليلة البدر، واسع الجبين، أسيل الخدين (أي ليس مرتفع الوجنتين ولا منخفضهما)، واسع الفم، حسن تقويم الأسنان، بين أسنانه فُرُج (فراغات يسيرة).
- الشعر: كان شعره صلى الله عليه وسلم ليس بالجعد القطط ولا بالسبط المسترسل، بل كان فيه تكسر يسير (رجلًا). كان يصل إلى شحمة أذنيه أحيانًا، وإلى منكبيه أحيانًا أخرى. كان يكرم شعره ويدهنه ويرجله.
- العينان: كان صلى الله عليه وسلم أكحل العينين أهدب الأشفار (طويل الرموش)، واسع العينين، شديد سواد الحدقة وبياض الشحمة. كان نظره فصيحًا، وكأن النور يخرج من عينيه.
- الأنف: كان صلى الله عليه وسلم أقنى الأنف (أي فيه ارتفاع في وسطه مع دقة في طرفه).
- الكتفان: كان صلى الله عليه وسلم عريض المنكبين، بعيد ما بينهما.
- اليدان والقدمان: كان صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين (أي فيهما غلظة وقوة).
- الرائحة: كان صلى الله عليه وسلم طيب الرائحة، عرقه أطيب من المسك. كان إذا مر بطريق عُرف أنه مر به لطيب رائحته.
- الهيئة العامة: كان صلى الله عليه وسلم مهيبًا وقورًا، إذا تكلم استمع إليه الناس وأنصتوا، وإذا تبسم كأن النور يخرج من بين ثناياه. كان جميل المنظر، بهي الطلعة، يملأ العين روعة.
شمائله الخُلُقية (أوصافه الأدبية والمعنوية)
كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خُلُقًا، وقد وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. من أبرز شمائله الخُلُقية:
- الصدق والأمانة: كان صلى الله عليه وسلم يُعرف في قومه قبل البعثة وبعدها بالصادق الأمين. لم يُعرف عنه كذبة قط، وكانت قريش تودع عنده نفائسها وأموالها.
- الحلم والعفو: كان صلى الله عليه وسلم حليمًا صبورًا، يعفو ويصفح عن المسيئين إليه، ولا ينتقم لنفسه قط. تجلى ذلك في عفوه عن أهل مكة يوم الفتح.
- الكرم والجود: كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجودهم، لا يرد سائلًا إن وجد ما يعطيه. كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
- الشجاعة والإقدام: كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأقواهم قلبًا، لا يولي الدبر في الحرب، وكان أول من يتقدم الصفوف.
- التواضع: كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعًا، يجالس الفقراء ويأكل مع المساكين ويركب الحمار ويخدم نفسه وأهله.
- العدل والإنصاف: كان صلى الله عليه وسلم عادلاً منصفًا في حكمه وقضائه، لا يفرق بين قوي وضعيف ولا بين شريف ووضيع.
- الرحمة والرأفة: كان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالصغير والكبير، بالمسلم وغير المسلم، حتى بالحيوان. وصفه الله تعالى بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
- الوفاء بالعهد: كان صلى الله عليه وسلم وفيًا بعهوده ومواثيقه، لا يخلف وعدًا قط.
- الصبر والثبات: كان صلى الله عليه وسلم صابرًا محتسبًا على الأذى والابتلاء، ثابتًا على الحق لا يتزعزع.
- الحياء: كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها.
- حسن العشرة: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عشرة لأهله وأصحابه، بشوشًا لين الجانب.
- الاجتهاد في العبادة: كان صلى الله عليه وسلم أعبد الناس وأكثرهم اجتهادًا في طاعة الله وذكره.
هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام والشراب واللباس
كان للنبي صلى الله عليه وسلم هدي وسنة في أمور حياته اليومية:
- الطعام والشراب: كان صلى الله عليه وسلم يأكل مما حضر ولا يرد موجودًا ولا يتكلف مفقودًا. كان يحب الحلوى والعسل، ويكره الثوم والبصل إذا خرج إلى الناس. كان يشرب الماء عذبًا باردًا، ويشرب على ثلاث دفعات ويتنفس بينها.
- اللباس: كان صلى الله عليه وسلم يلبس ما تيسر من اللباس، وكان يحب القميص، ويلبس الرداء والإزار. كان يلبس العمامة ويديرها تحت حنكه أحيانًا. كان يحب البياض من الثياب.
- النوم واليقظة: كان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويقوم آخره للتهجد والعبادة. كان ينام على فراش من أدم محشو بالليف.
هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس
كان للنبي صلى الله عليه وسلم أسلوب فريد في التعامل مع الناس:
- اللين والرفق: كان صلى الله عليه وسلم لينًا رفيقًا في دعوته وتعليمه، لا يعنف ولا يغلظ القول.
- الموعظة الحسنة: كان صلى الله عليه وسلم يعظ الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
- التبسم والبشر: كان صلى الله عليه وسلم دائم البشر والتبسم في وجوه الناس.
- إجابة الدعوة: كان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة من دعاه.
- زيارة المريض: كان صلى الله عليه وسلم يعود المرضى ويتفقد أحوالهم.
- قضاء حوائج الناس: كان صلى الله عليه وسلم يسعى في قضاء حوائج الناس.
- المزاح: كان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويضحك معهم، ولكن لا يقول إلا حقًا.
أهمية الاقتداء بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم
للاقتداء بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم أهمية عظيمة في حياة المسلم:
- محبة الله ورسوله: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به هو دليل على محبة الله ورسوله، وهو سبب لنيل محبة الله تعالى.
- الفوز برضا الله والجنة: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الطريق إلى رضا الله والفوز بالجنة.
- تزكية النفس وتهذيب الأخلاق: شمائل النبي صلى الله عليه وسلم هي أكمل الأخلاق وأزكاها، والاقتداء بها يُزكي النفس ويُهذب الأخلاق.
- قوة المجتمع ووحدته: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس يُؤدي إلى قوة المجتمع ووحدته وتماسكه.
- نيل السعادة في الدنيا والآخرة: اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو سبيل السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
المصادر التي نقلت إلينا شمائل النبي صلى الله عليه وسلم
وصلت إلينا أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله من خلال مصادر موثوقة:
- القرآن الكريم: أشار القرآن الكريم إلى بعض صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العظيمة.
- السنة النبوية الشريفة: نقل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أحاديث كثيرة تصف هيئة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأفعاله وأقواله.
- كتب السيرة النبوية: اهتم علماء السيرة بجمع وتدوين أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله.
- كتب الشمائل: أُفردت كتب خاصة لجمع أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم مثل كتاب “الشمائل المحمدية” للإمام الترمذي.
الخاتمة
يتضح لنا أن شمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت قمة في الجمال الخَلقي والكمال الخُلُقي. لقد كان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقدوة عظيمة في كل جوانب حياته. إن التعرف على هذه الشمائل المباركة والتأمل فيها والاقتداء بها هو سبيل محبته صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والفوز برضا الله تعالى. إنها دعوة لكل مسلم إلى أن يجعل حياة النبي صلى الله عليه وسلم نبراسًا له في أقواله وأفعاله وأخلاقه، ليسعى جاهدًا للتشبه به قدر المستطاع، ليحقق بذلك السعادة في الدنيا والآخرة. فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.