الذبح في الشريعة الإسلامية

مقدمة

يُعد الذبح في الشريعة الإسلامية وسيلة مشروعة لإحلال طيبات الطعام من الحيوانات، وله أحكام وضوابط وآداب عظيمة تهدف إلى تحقيق الإحسان إلى الحيوان وتطييب المأكل. فالذبح ليس مجرد فعل لإزهاق الروح، بل هو عبادة ذات قربى إذا قصد بها وجه الله تعالى، ووسيلة لتوفير الغذاء الحلال للمسلمين وفق ضوابط شرعية تحفظ حقوق الحيوان وتراعي حرمة الروح. إن فهم مشروعية الذبح في الإسلام وأحكامه وشروطه وآدابه، والحرص على الالتزام بها عند إرادة ذبح حيوان مأكول، يُعد أمرًا ضروريًا لكل مسلم يسعى لاتباع هدي الشريعة وتناول الطيبات الحلال.

لقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نصوص صريحة تبين مشروعية الذبح وتوضح بعض أحكامه وشروطه. كما بين الفقهاء تفصيلات هذه الأحكام والآداب المستحبة عند الذبح، استنادًا إلى الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة ومقاصدها. إن الإلمام بهذه الأحكام والآداب يساعد المسلم على أداء هذه العملية على الوجه الشرعي، وتجنب ما قد يخل بها أو يسيء إلى الحيوان، ويضمن له تناول لحم حلال طيب مبارك فيه.

 

مشروعية الذبح في الشريعة الإسلامية والأدلة عليها

يُعد الذبح وسيلة مشروعة لإحلال الحيوانات المأكولة في الشريعة الإسلامية، وقد دلت على مشروعيته نصوص الكتاب والسنة والإجماع:

  • من القرآن الكريم: قال الله تعالى: “أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ” (المائدة: 1). وبهيمة الأنعام تشمل الإبل والبقر والغنم، وإحلالها يكون بالذبح الشرعي. وقال تعالى: “فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ” (الأنعام: 118). والذكر هنا يشمل التسمية عند الذبح.  
  • من السنة النبوية: وردت أحاديث كثيرة تبين كيفية الذبح وشروطه وآدابه، وتدل على مشروعيته. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر” (متفق عليه). وهذا يدل على فعل النبي صلى الله عليه وسلم للذبح وذكر اسم الله عليه.
  • الإجماع: أجمعت الأمة الإسلامية على مشروعية الذبح كوسيلة لإحلال الحيوانات المأكولة.

أحكام الذبح وشروطه المتعلقة بالذابح والآلة والمذبوح

لصحة الذبح شرعًا، لا بد من توافر شروط تتعلق بالذابح والآلة والمذبوح:

شروط الذابح:

  1. أن يكون مسلمًا أو كتابيًا (يهوديًا أو نصرانيًا): فلا يحل ذبح غيرهم. قال تعالى: “وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ” (المائدة: 5). والمراد بالطعام هنا الذبائح عند جمهور العلماء.
  2. أن يكون عاقلًا مميزًا: فلا يحل ذبح المجنون أو الصغير غير المميز.
  3. أن يقصد الذبح: فلا يحل ما قتل خطأ أو عبثًا.
  4. أن يسمي الله تعالى عند الذبح: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل” (متفق عليه). والتسمية واجبة عند جمهور العلماء.

شروط الآلة:

  1. أن تكون قاطعة: بحيث تزهق الروح بحدها لا بثقلها أو صدمها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر” (متفق عليه).
  2. أن تكون مصنوعة من حديد أو قصب أو حجر حاد: يجوز الذبح بكل آلة حادة تقطع الأوداج والودي إلا السن والظفر.

شروط المذبوح:

  1. أن يكون حيوانًا مأكول اللحم شرعًا: فلا يجوز ذبح الحيوانات المحرمة كالميتة والخنزير والسباع ذات الأنياب والطيور ذات المخالب إلا ما استثني.
  2. أن يقطع الودجين (العرقان الغليظان في جانبي العنق) والحلقوم (مجرى النفس) والمريء (مجرى الطعام والشراب): وهذا هو الذبح الشرعي الذي يزهق الروح بسرعة ويخفف ألم الحيوان.

الآداب المستحبة عند الذبح

يستحب للذابح أن يراعي بعض الآداب عند ذبح الحيوان:

  1. الإحسان إلى الذبيحة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” (رواه مسلم).  
  2. توجيه الذبيحة إلى القبلة: يستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة عند الذبح.
  3. حد الشفرة قبل الذبح: يجب أن تكون الشفرة حادة وسريعة القطع لتريح الذبيحة.
  4. عدم حد الشفرة أمام الذبيحة: لما فيه من ترويع للحيوان.
  5. عدم ذبح حيوان أمام آخر: لما فيه من ترويع للحيوان.
  6. الإسراع في الذبح: لتعجيل زهوق الروح وتخفيف الألم.
  7. الرفق بالحيوان قبل الذبح: وعدم جره بعنف أو تعذيبه.
  8. التسمية والتكبير: يستحب التكبير بعد التسمية عند الذبح.

الحيوانات التي يجوز ذبحها والتي لا يجوز

الحيوانات التي يجوز ذبحها: يجوز ذبح بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) والدجاج وسائر الطيور المباح أكلها، والأسماك وسائر الأحياء البحرية لا تحتاج إلى ذبح شرعي بل تحل بموتها. والجراد مباح أكله بموته.

الحيوانات التي لا يجوز ذبحها أو أكلها:

  • الميتة: وهي ما مات حتف أنفه أو بسبب غير الذبح الشرعي. قال تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ” (المائدة: 3).
  • الخنزير: قال تعالى: “وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ رِجْسٌ” (الأنعام: 145).
  • السباع ذات الأنياب: كالأسد والنمر والذئب والكلب والثعلب. نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع.
  • الطيور ذات المخالب التي تصيد بها: كالصقر والبازي والنسر. نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي مخلب من الطير.
  • الحيوانات التي أمر الشرع بقتلها: كالفأر والعقرب والغراب الحدأة والكلب العقور. لا يجوز أكلها.
  • الحيوانات التي نهى الشرع عن قتلها: كالنمل والنحل والهدهد والصرد إلا لضرورة. لا يجوز ذبحها لأكلها.
  • الجنين في بطن أمه المذبوحة ذبحًا شرعيًا: يجوز أكله تبعًا لأمه ولا يحتاج إلى ذبح منفصل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ذكاة الجنين ذكاة أمه” (رواه أبو داود والترمذي).

الحكمة من مشروعية الذبح في الإسلام ومراعاة الشريعة لحقوق الحيوان

تتجلى حكمة الشريعة الإسلامية في مشروعية الذبح في جوانب عدة:

  • توفير الغذاء الحلال الطيب للمسلمين: فالذبح الشرعي يضمن إحلال الحيوانات المأكولة بطريقة صحية وموافقة للشريعة.
  • التمييز عن أكل الميتة: فالذبح يخرج الحيوان من حكم الميتة المحرمة.
  • تحقيق الإحسان إلى الحيوان: فالشريعة أمرت بالإحسان إلى الحيوان عند ذبحه وتخفيف ألمه.
  • التعبد لله تعالى: الذبح قربة إلى الله تعالى في الأضاحي والهدي والعقائق.
  • مراعاة حقوق الحيوان: على الرغم من إباحة الذبح للأكل، إلا أن الشريعة وضعت ضوابط وآدابًا تحفظ حقوق الحيوان وتمنع تعذيبه وترويعه.

الخاتمة

يُعد الذبح في الشريعة الإسلامية وسيلة مشروعة لإحلال الطيبات من الحيوانات، وله أحكام وضوابط وآداب عظيمة. يجب على المسلم عند إرادة ذبح حيوان مأكول أن يلتزم بالشروط الشرعية المتعلقة بالذابح والآلة والمذبوح، وأن يراعي الآداب المستحبة التي تحفظ حقوق الحيوان وتخفف ألمه. إن فهم هذه الأحكام والآداب والالتزام بها دليل على اتباع هدي الشريعة والحرص على تناول الحلال الطيب. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم أحكام ديننا والعمل بها وأن يرزقنا الحلال الطيب المبارك فيه.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث