سنن الصلاة ومبطلاتها
بين الإتقان والإفساد .. كيف يُحسّن المسلم صلاته ويحذر من ضياعها

المقدمة
الصلاة ليست مجرد فريضة تؤدى، بل هي باب الرحمة، وموعد اللقاء، ومنبع السكينة، وهي أوثق صلة بين العبد وربه. ولأنها بهذه المنزلة الرفيعة، فقد جاءت شريعتنا الغراء مفصلة أحكامها، محددة أركانها، موضحة شروطها، وبيّنت أيضًا سننها ومبطلاتها، ليؤديها المؤمن أداءً كاملاً، ويكون على وعي بما ينقصها أو يُفسدها.
إن معرفة سنن الصلاة يُعين المسلم على إتقان عبادته، فينال بها الأجر الكامل، ويقترب من وصف “الخشوع” الذي امتدحه الله في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون: 1-2
أما معرفة مبطلاتها فهي ضرورة حتمية، ليحذر المسلم أن تقع صلاته باطلة وهو لا يدري، فيصلي وهو يظن أنه أدى الركن الأعظم، وقد ردّ عليه عمله بسبب خطأٍ أو نقصٍ لم ينتبه له.
في هذا البحث، نعرض بإسهاب مفهوم سنن الصلاة وأنواعها، ونشرح مبطلاتها بالتفصيل، مستشهدين بالأدلة الشرعية، ومراعين التدرج والوضوح، حتى يتكوّن لدى القارئ تصور شامل يُعينه على تحسين صلاته، والنجاة بها في الدنيا والآخرة.
سنن الصلاة
السنن هي ما واظب عليه النبي ﷺ في صلاته، من أقوال وأفعال زائدة على الأركان والواجبات، لكنّها ليست واجبة، ولا تبطل الصلاة بتركها، بل يُستحب الإتيان بها لينال المسلم الأجر الكامل، وليقتدي بسنة نبيه ﷺ.
أنواع سنن الصلاة
تقسم سنن الصلاة غالبًا إلى قسمين:
أ) السنن القولية وتشمل:
- دعاء الاستفتاح: كقول “اللهم باعد بيني وبين خطاياي…” في أول الصلاة.
- التعوّذ قبل الفاتحة: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.
- البسملة: قبل قراءة الفاتحة.
- قراءة سورة بعد الفاتحة: في الركعتين الأوليين.
- التكبيرات غير تكبيرة الإحرام: مثل التكبير عند الركوع والسجود.
- قول “سمع الله لمن حمده” للإمام والمنفرد.
- الأذكار بين السجدتين: كـ “رب اغفر لي”.
- الدعاء بعد التشهد الأخير: قبل التسليم.
ب) السنن الفعلية وتشمل:
- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه.
- وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر.
- النظر إلى موضع السجود.
- الاعتدال في الركوع والسجود والجلوس.
- جلسة الاستراحة: بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة.
- جلوس التشهد بطريقة التورك أو الافتراش.
- التسليمة الثانية: في ختام الصلاة.
المحافظة على السنن تزيد الخشوع، وتُكمل نقص الصلاة في حال السهو، ويُثاب المسلم عليها، لكنها لا تُبطل الصلاة إذا تُركت عمدًا أو سهوًا.
مبطلات الصلاة
مبطلات الصلاة هي الأمور التي إذا وقعت أثناء الصلاة، أفسدتها وجعلتها غير مقبولة، سواء أكانت هذه المبطلات قولية، أو فعلية، أو معنوية. ولأن الصلاة هي العبادة الأهم، وجب التعرف على هذه المبطلات وتجنبها تمامًا.
أبرز مبطلات الصلاة:
- ترك ركن من أركان الصلاة عمداً أو سهواً: كأن يترك الركوع أو السجود، ولا يُعيده، فهذا يبطل الصلاة. أما في حال السهو، فيجب الرجوع وإكمال الركن.
- الكلام العمد خارج نطاق الصلاة: كأن يتحدث مع غيره بكلام دنيوي أثناء الصلاة، لا دعاء ولا ذكر، قال النبي ﷺ: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.” رواه مسلم
- الضحك بصوت: أما التبسّم فقط فلا يبطل الصلاة، لكنه يُنقص من الخشوع.
- الأكل أو الشرب أثناء الصلاة: ولو لقمة أو رشفة، إلا في حالات نادرة جدًا في النوافل إذا نُدب لذلك.
- الحركة الكثيرة المتتابعة: مثل أن يتحرك المصلي مرارًا بلا حاجة، حتى يُظن أنه ليس في صلاة، فهذا يُبطلها.
- الانكشاف الفاضح للعورة: كأن يسقط الثوب ويظهر شيء من العورة دون تعمد، ويظل كذلك دون سترها.
- الحدث أثناء الصلاة (كخروج ريح أو بول): فمن أحدث فقد انتقض وضوؤه وبطلت صلاته، قال ﷺ: “لا يُقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.” رواه البخاري
- تعمّد تغيير النية أو قطع الصلاة: كأن ينوي الخروج من الصلاة، أو يتردد في نيتها أثناء الأداء.
- الانحراف عن القبلة عمدًا: إلا إن كان مضطرًا، أو لا يعلم الاتجاه، أو صلى في سفر على دابته.
- ترك شرط من شروط الصلاة: كأن يصلي بغير طهارة، أو في وقت غير مشروع، أو بثوب نجس وهو يعلم.
الفرق بين السنن والمبطلات
السنن | المبطلات | |
الحكم | مستحبة | محرمة |
الأثر | تركها لا يُبطل الصلاة | يُبطل الصلاة |
الغاية | زيادة الأجر وتحسين الأداء | تُفقد الصلاة معناها وقبولها |
مثال | رفع اليدين عند الركوع | الضحك أو الكلام أثناء الصلاة |
أثر معرفة السنن والمبطلات في تحسين الصلاة
إن العلم بهذه الأمور يجعل المسلم يصلي بوعي ويقظة، لا بآلية وعادة، فيحرص على أداء السنن لما فيها من فضل، ويحذر من المبطلات حتى لا يضيع أجره. كما أن هذا العلم يُربي في القلب التعظيم لشعائر الله، ويجعل الصلاة وسيلة ترقية للنفس، لا مجرد واجب مؤدى.
الخاتمة
الصلاة عبادة عظيمة، لا تكتمل إلا بالمعرفة والعناية، ولا تُثمر إلا مع الخشوع والإتقان. فمعرفة السنن تجعل المسلم يقتدي بالنبي ﷺ في أدق التفاصيل، وتجعله أكثر حضورًا في صلاته. أما معرفة المبطلات فهي السياج الحامي الذي يحفظ الصلاة من البطلان، ويُبقي على روحها قائمة.
فلنحرص على أداء صلاتنا بأركانها وشروطها وسننها، ونُطهّرها من كل ما يُفسدها، حتى نلقى الله يومًا وقد كُتب لنا فيها الخشوع، والقبول، والثواب العظيم.
اللهم اجعلنا من الذين يُقيمون الصلاة كما تُحب، ووفقنا لاتباع سنة نبيك في كل ركوع وسجود