التطير

وهم التشاؤم وداء الجاهلية في ميزان الإسلام

مقدمة

في رحلة الإنسان عبر دروب الحياة، تكتنفه مشاعر متنوعة بين الرجاء والخوف، والأمل واليأس. وفي غمرة البحث عن تفسير لما يحيط به من أحداث وظواهر، قد يلجأ البعض إلى ربط الأمور بغير أسبابها الحقيقية، مستسلمين لأوهام وخرافات موروثة أو مستحدثة. ومن أخطر هذه الأوهام وأشدها فتكًا بالعقيدة والتوكل على الله، داء التطير أو التشاؤم بالطيور أو غيرها من المخلوقات أو الأحداث. التطير هو استشعار الشؤم من رؤية شيء أو سماع صوت أو وقوع حادث، مما يدفع الإنسان إلى التراجع عن فعل أو المضي فيه بناءً على هذا الشعور السلبي الوهمي. لقد حذر الإسلام تحذيرًا شديدًا من التطير وعدّه من أعمال الجاهلية ومنافيًا لكمال التوحيد والتوكل على الله وحده. إن فهم مفهوم التطير وأسبابه ومظاهره، واستيعاب خطورته على العقيدة والسلوك، والتعرف على سبل علاجه والتوقي منه في ضوء الكتاب والسنة، يمثل ضرورة حتمية لكل مسلم يسعى إلى تحقيق كمال الإيمان والتوكل الحق على الله القادر المدبر لكل شيء.

 

مفهوم التطير

التطير لغةً مشتق من الطير، حيث كان العرب في الجاهلية يتشاءمون أو يتفاءلون بسنوح الطير (اتجاه طيرانه يمينًا أو شمالًا) أو بأصواتها. واصطلاحًا هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم، كتشاؤمهم ببعض الحيوانات أو الأيام أو الشهور أو الألوان أو الأرقام أو الأشخاص أو الأحداث العارضة، مما يدفعهم إلى الإحجام عن فعل ما عزموا عليه أو المضي فيه بناءً على هذا التشاؤم.

 

أسباب التطير

 تتعدد الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الوقوع في وهم التطير، ومن أبرزها:

  • الجهل: الجهل بحقيقة التوحيد والتوكل على الله وقدرته المطلقة، وعدم فهم سنن الله في الكون.
  • ضعف الإيمان: ضعف اليقين بالله والاعتماد عليه، والالتفات إلى المخلوقات الضعيفة وجعلها سببًا لجلب النفع أو دفع الضر.
  • الخوف والقلق: الخوف من المجهول والقلق بشأن المستقبل يدفع البعض إلى البحث عن علامات أو إشارات لتفسير ما سيحدث.
  • الأوهام والخرافات الموروثة: التقليد الأعمى للخرافات والأوهام التي توارثتها الأجيال دون تدبر أو تمحيص.
  • تأثير البيئة والمجتمع: انتشار ثقافة التشاؤم في بعض البيئات والمجتمعات يؤثر على أفرادها.
  • تجارب سلبية سابقة: ربط أحداث سلبية وقعت في الماضي ببعض الأشياء أو الأوقات بشكل خاطئ.
  • وسائل الإعلام: قد تساهم بعض وسائل الإعلام في نشر الخرافات والأوهام المتعلقة بالتطير.

مظاهر التطير

تتجلى مظاهر التطير في صور وأشكال متنوعة، منها:

  • التشاؤم بالحيوانات: كالبومة أو الغراب أو القط الأسود.
  • التشاؤم بالأيام أو الشهور: كالتشاؤم بيوم الأربعاء أو شهر صفر.
  • التشاؤم بالألوان أو الأرقام: كالتشاؤم باللون الأسود أو الرقم ثلاثة عشر.
  • التشاؤم بالأشخاص: كالتشاؤم بمقابلة شخص معين في الصباح.
  • التشاؤم بالأحداث العارضة: كسماع صوت معين أو رؤية شيء معين أو التعثر أثناء المشي.
  • التفاؤل المذموم: وهو بناء الآمال على أسباب وهمية لا يقرها الشرع.

خطورة التطير على العقيدة والسلوك في الإسلام

يعتبر التطير من الأمور الخطيرة التي تنافي كمال التوحيد وتؤثر سلبًا على سلوك المسلم:

  • منافاة التوحيد: التطير هو نوع من الشرك الأصغر، لأنه يجعل المخلوق سببًا لجلب النفع أو دفع الضر من دون الله، وهذا ينافي الاعتقاد بأن الله وحده هو النافع الضار.
  • ضعف التوكل على الله: الاعتماد على التطير يدل على ضعف التوكل على الله والاعتماد على المخلوقات الضعيفة والأوهام الباطلة.
  • القلق والاضطراب: يعيش المتطير في قلق دائم واضطراب نفسي خوفًا من وقوع المكروه الذي يتوقعه بسبب تشاؤمه.
  • التراجع عن الأعمال: يؤدي التطير إلى إحجام المسلم عن فعل الخير أو المضي في مصالحه خوفًا من الشؤم المتوقع.
  • سوء الظن بالله: التشاؤم هو نوع من سوء الظن بالله وعدم الرضا بقضائه وقدره.
  • اتباع خطوات الشيطان: التطير من مداخل الشيطان لإفساد دين المسلم وإيقاعه في الأوهام والخرافات.
  • إضعاف الأمة: انتشار التطير في المجتمع يضعف عزيمته ويشل حركته ويعطله عن العمل والإنتاج.

علاج التطير والتوقي منه في ضوء الكتاب والسنة

يقدم الإسلام منهجًا واضحًا لعلاج داء التطير والوقاية منه:

  • قوة الإيمان والتوكل على الله: تعزيز الإيمان بالله وحده وأنه النافع الضار، والتوكل عليه حق التوكل في جميع الأمور.
  • العلم واليقين: طلب العلم الشرعي الصحيح الذي يبين حقيقة التوحيد ويفضح الأوهام والخرافات.
  • الاستعاذة بالله: عند الشعور بشيء من التطير، يجب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وشر ما يتطير به.
  • المضي في الأمر وعدم الالتفات إلى التطير: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا – قَالَ عَبْدُ اللَّهِ – وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ». وفي رواية: «فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
  • حسن الظن بالله: يجب على المسلم أن يحسن الظن بالله ويتفاءل بالخير، فإن الله عند ظن عبده به.
  • الدعاء: الإكثار من الدعاء واللجوء إلى الله في كل الأحوال.
  • التفاؤل المشروع: التفاؤل بالخير والاستبشار به أمر محمود في الإسلام، وهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بشرط ألا يعتمد عليه الإنسان أو يجعله سببًا لجلب النفع أو دفع الضر.
  • مخالفة المتطيرين: عدم مجالسة أو الاستماع إلى المشعوذين والكهنة والعرافين الذين يروجون للخرافات والأوهام.
  • التثقيف والتوعية: نشر العلم الشرعي الصحيح بين الناس وتوعيتهم بخطورة التطير وأنه من أعمال الجاهلية.

الفرق بين التطير والفأل الحسن

يجب التمييز بين التطير المذموم والفأل الحسن المشروع:

  • التطير (التشاؤم): هو استشعار الشؤم من أمر ما، مما يدفع إلى التراجع أو الخوف والقلق. وهو مذموم لأنه تعلق بغير الله وإساءة ظن به.
  • الفأل الحسن (التفاؤل): هو الكلمة الطيبة أو الرؤيا الحسنة التي يسمعها أو يراها الإنسان فتسره وتنشط همته وتحثه على فعل الخير. وهو محمود ومستحب لأنه حسن ظن بالله ورجاء لفضله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْحَسَنُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ».

أمثلة من التطير في الجاهلية وموقف الإسلام منها

كان العرب في الجاهلية يتطيرون بأشياء كثيرة، منها:

  • الطير: إذا طار الطير يمينًا تفاءلوا، وإذا طار شمالًا تشاءموا.
  • الغزال: إذا سنح الغزال من اليمين تفاءلوا، وإذا سنح من الشمال تشاءموا.
  • أصوات بعض الحيوانات: كصوت البومة أو الغراب.
  • الخروج في أيام معينة: كالتشاؤم بالخروج في يوم الأربعاء.

وقد أبطل الإسلام جميع هذه المظاهر من التطير وعدها من أعمال الجاهلية التي يجب على المسلم اجتنابها.

 

الخاتمة

إن التطير داء عظيم ووباء فتاك بالعقيدة والسلوك، يقود إلى الأوهام والخرافات ويضعف التوكل على الله ويجلب القلق والاضطراب. لقد حذر الإسلام منه أشد التحذير وعدّه من أعمال الجاهلية ومنافيًا لكمال التوحيد. الواجب على كل مسلم أن يتسلح بقوة الإيمان والتوكل على الله، وأن يطلب العلم الشرعي الصحيح، وأن يلجأ إلى الله بالاستعاذة والدعاء عند الشعور بشيء من التطير، وأن يمضي في أموره متفائلًا بالخير وحسن الظن بالله. فالحياة تسير بقدر الله وتدبيره، ولا يملك المخلوق لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا بإذنه سبحانه وتعالى. فلنحرص على تطهير قلوبنا من أوهام التطير ولنعلق آمالنا ورجاءنا بالله وحده، فهو حسبنا ونعم الوكيل.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث