سورة الجمعة

مقدمة
تُعدّ سورة الجمعة من السور المدنية التي تتناول فضل يوم الجمعة وأحكامه، وعظمة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحكمتها، وذم الذين أعرضوا عن ذكر الله ولهوا بملذات الدنيا. تتميز السورة بأسلوبها المؤثر الذي يُنادي المؤمنين بصفة الإيمان لتذكيرهم بأهمية هذا اليوم المبارك وضرورة الاستعداد له والانشغال بذكر الله وترك البيع عند سماع النداء للصلاة. تُبين السورة حكمة الله في بعثة النبي الأمي الذي يتلو الآيات ويزكي ويعلم الكتاب والحكمة، وتُذم الذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها، وتُختتم بالتأكيد على فضل الله الواسع. سورة الجمعة ليست مجرد تشريع لأحكام يوم معين، بل هي دعوة للإيمان الحق والعمل به، وتقدير نعمة الرسالة النبوية، والانشغال بما ينفع في الآخرة. إن تدبر آياتها والعمل بتوجيهاتها يُعظم قدر هذا اليوم في قلب المسلم ويُوجه حياته نحو طاعة الله ورسوله.
يهدف هذا البحث إلى استكشاف سورة الجمعة بعمق، بدءًا من التعريف بها وسبب تسميتها ومكان نزولها وأهميتها وفضل قراءتها، مرورًا باستعراض أبرز موضوعاتها ومقاصدها الأساسية التي تتناول فضل يوم الجمعة وأحكامه، وعظمة الرسالة النبوية وحكمتها، وذم الإعراض عن ذكر الله، وضرب المثل بالذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها، والتأكيد على فضل الله الواسع، وصولًا إلى استخلاص الدروس والعبر المستفادة من السورة في تعظيم شعائر الله وتقدير نعمة الإسلام والعمل به.
التعريف بسورة الجمعة وأهميتها
سورة الجمعة هي السورة الثانية والستون في ترتيب المصحف الشريف، وهي سورة مدنية نزلت بعد سورة الصف وقبل سورة المنافقون. سُميت بهذا الاسم لورود ذكر “يوم الجمعة” فيها وتخصيصها ببعض الأحكام والفضائل، وذلك في الآية التاسعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
تكمن أهمية سورة الجمعة في عدة جوانب:
- بيان فضل يوم الجمعة وأحكامه: تُبين السورة أهمية هذا اليوم ووجوب السعي إلى صلاة الجمعة وترك البيع عند سماع النداء.
- تقدير نعمة الرسالة النبوية: تُوضح حكمة الله في بعثة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم.
- ذم الإعراض عن ذكر الله والانشغال بالدنيا.
- ضرب المثل بالذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها للتحذير من مشابهتهم.
- التأكيد على فضل الله الواسع ومنته على عباده.
أبرز موضوعات ومقاصد سورة الجمعة الأساسية
تتناول سورة الجمعة مجموعة من الموضوعات والمقاصد الأساسية التي تهدف إلى تعظيم شعائر الله وتقدير نعمة الإسلام:
- فضل يوم الجمعة وأحكامه: تبدأ السورة بالثناء على الله وتنزيهه ثم تُنادي المؤمنين بوجوب السعي إلى ذكر الله وترك البيع عند سماع النداء لصلاة الجمعة.
- عظمة الرسالة النبوية وحكمتها: تُبين السورة فضل الله على المؤمنين ببعثة النبي الأمي الذي يتلو عليهم الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
- ذم الإعراض عن ذكر الله والانشغال بالدنيا: تُحذر السورة من الانشغال بملذات الدنيا واللهو عن ذكر الله وعن صلاة الجمعة.
- ضرب المثل بالذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها: تُقدم السورة مثلًا سيئًا لليهود الذين أوتوا التوراة ولم ينتفعوا بها، وتحذر المسلمين من مشابهتهم في الإعراض عن العمل بالعلم.
- التأكيد على فضل الله الواسع: تختتم السورة بالتأكيد على أن الفضل كله لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فضل يوم الجمعة وأحكامه كما وردت في سورة الجمعة
تُولي سورة الجمعة اهتمامًا خاصًا ببيان فضل هذا اليوم المبارك وبعض الأحكام المتعلقة به:
- وجوب السعي إلى صلاة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة: 9). تأمر الآية المؤمنين بالمسارعة والاهتمام بصلاة الجمعة عند سماع الأذان.
- ترك البيع عند النداء للصلاة: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة: 9). تُوجب الآية ترك البيع وكل ما يشغل عن صلاة الجمعة عند سماع النداء، وتُبين أن ذلك خير للمؤمنين.
- أهمية ذكر الله بعد الصلاة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10). تُشجع الآية على ذكر الله كثيرًا حتى بعد انتهاء الصلاة.
هذه الآيات تُبين عظمة هذا اليوم وضرورة تخصيصه لعبادة الله وذكره والانشغال بما ينفع في الآخرة.
عظمة الرسالة النبوية وذم الإعراض عن ذكر الله في السورة
تُبين سورة الجمعة عظمة نعمة الله على المؤمنين ببعثة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقوم بوظائف عظيمة:
- تلاوة الآيات: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} (الجمعة: 2). يتلو عليهم آيات القرآن الكريم.
- التزكية: {وَيُزَكِّيهِمْ} (الجمعة: 2). يُطهرهم من الشرك والأخلاق السيئة ويُربيهم على الأخلاق الفاضلة.
- تعليم الكتاب والحكمة: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة: 2). يُعلمهم القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمهما.
في المقابل، تذم السورة الذين أعرضوا عن ذكر الله وانشغلوا بملذات الدنيا واللهو، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (الجمعة: 11). تُبين هذه الآية أن ما عند الله من الثواب والجزاء خير من متاع الدنيا الزائل.
الأثر الإيماني والتربوي لسورة الجمعة في تعظيم شعائر الله
تُحدث سورة الجمعة أثرًا إيمانيًا وتربويًا هامًا في حياة المسلم من خلال:
- تعظيم يوم الجمعة وشعائره: تُربي المسلم على تقدير هذا اليوم والاهتمام بعبادته.
- تقدير نعمة الرسالة النبوية: تُذكر بفضل الله على المسلمين ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهدايته.
- الحث على الانشغال بذكر الله وطاعته: تُنبه إلى خطورة الانشغال بالدنيا عن الآخرة.
- التحذير من الإعراض عن العمل بالعلم: من خلال المثل باليهود، تُحذر من عدم الانتفاع بما أوتيه المسلم من العلم.
- تذكير المسلم بفضل الله الواسع: تُعلمه أن يطلب الخير والرزق من الله وحده.
- الحث على الاجتماع على الخير والعبادة: صلاة الجمعة تجمع المسلمين على ذكر الله.
إن تدبر آيات سورة الجمعة والعمل بتوجيهاتها يُعظم شعائر الله في قلب المسلم ويُقدر نعمة الإسلام حق قدرها ويُوجه حياته نحو طاعة الله ورسوله.
خاتمة
تُعدّ سورة الجمعة نداء إيمان وعظمة رسالة، تُبين فضل اليوم المبارك وتذم الإعراض عن ذكر الله وتُوضح حكمة البعثة النبوية. إنها دعوة لتعظيم شعائر الله وتقدير نعمة الإسلام والانشغال بما ينفع في الآخرة. إن تدبر آيات هذه السورة العظيمة والعمل بتوجيهاتها يُعظم قدر يوم الجمعة في قلب المسلم ويُوجه حياته نحو طاعة الله ورسوله ويُذكره بأولوياته الحقيقية. فلنحرص على قراءة سورة الجمعة بتدبر وتفكر لنستنير بنورها ونعمل بما فيها من توجيهات قيمة لنيل الخير والبركة في الدنيا والآخرة.