سورة لقمان

مقدمة

تُعدّ سورة لقمان من السور المكية التي تتميز بأسلوبها التربوي الرفيع، حيث تُقدم نموذجًا فريدًا لوصايا لقمان الحكيم لابنه، وهي وصايا جامعة وشاملة تُؤسس لمنهج تربوي قويم يهدف إلى بناء جيل مؤمن وقويم الأخلاق. تتناول السورة قضايا أساسية في العقيدة والأخلاق والسلوك الاجتماعي، بدءًا من التأكيد على وحدانية الله ونبذ الشرك، مرورًا بأهمية بر الوالدين وشكر النعم، والتحذير من الكبر والغرور، والحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر، وصولًا إلى بيان علم الله الشامل وقدرته المطلقة. سورة لقمان ليست مجرد سرد لقصة لقمان ووصاياه، بل هي دعوة للمسلمين للاقتداء بهذا النموذج التربوي الحكيم في تربية أبنائهم وبناء مجتمعاتهم على أسس إيمانية وأخلاقية متينة. إن تدبر آياتها والعمل بتوجيهاتها يُسهم في بناء أفراد صالحين وأسر مستقرة ومجتمعات فاضلة.

 

التعريف بسورة لقمان وأهميتها

سورة لقمان هي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وهي سورة مكية نزلت بعد سورة الزمر وقبل سورة سبأ. سُميت بهذا الاسم لورود ذكر “لقمان” فيها في الآية الثانية عشرة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ويُعرف لقمان بالحكمة والصلاح، وقد آتاه الله الفهم والعقل الراجح.  

تكمن أهمية سورة لقمان في عدة جوانب:

  • تقديم نموذج تربوي حكيم: تُعرض السورة وصايا لقمان لابنه كمنهج تربوي قويم.
  • التأكيد على أهمية التوحيد ونبذ الشرك: تبدأ وصايا لقمان بالتحذير من الشرك.
  • الحث على بر الوالدين وشكر النعم: تُبين السورة فضل الوالدين وتأمر بشكر الله على نعمه.
  • التحذير من الكبر والغرور: تُنبه إلى خطورة التكبر والتعالي على الناس.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر: تُعد هذه من الأسس الأخلاقية للمجتمع المسلم.
  • بيان علم الله الشامل وقدرته المطلقة: تُذكر المؤمن بعظمة الله وعلمه بكل شيء.
  • فضل قراءتها: وردت بعض الآثار التي تُشير إلى فضل قراءة هذه السورة والتدبر في معانيها.

قصة لقمان الحكيم ووصاياه لابنه

تُركز سورة لقمان بشكل أساسي على وصايا لقمان الحكيم لابنه، وهي وصايا قيمة تحمل في طياتها أسس التربية الصالحة:

  • الوصية الأولى: التوحيد ونبذ الشرك: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13). تبدأ الوصايا بأهم قضية وهي التوحيد الخالص لله ونبذ الشرك الذي هو أعظم الذنوب.
  • الوصية الثانية: بر الوالدين: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان: 14). تُبين الآية فضل الأم ومعاناتها وتأمر بشكر الله ثم شكر الوالدين.  
  • الوصية الثالثة: علم الله الشامل: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان: 16). تُرسخ هذه الوصية يقين الابن بعلم الله الشامل وإحاطته بكل شيء.  
  • الوصية الرابعة: إقامة الصلاة: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} (لقمان: 17). الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين.
  • الوصية الخامسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (لقمان: 17). هذه مسؤولية اجتماعية هامة للمحافظة على صلاح المجتمع.
  • الوصية السادسة: الصبر على الأذى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان: 17). الصبر على الابتلاءات والأذى من صفات المؤمنين.
  • الوصية السابعة: التواضع والنهي عن الكبر: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18). تُحذر هذه الوصية من التكبر والتعالي على الناس.
  • الوصية الثامنة: الاعتدال في المشي وخفض الصوت: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (لقمان: 19). تُعلم هذه الوصية الأدب في المشي والكلام.

تحليل هذه الوصايا يُظهر أنها تُغطي جوانب أساسية في حياة المسلم من العقيدة والأخلاق والعبادات والسلوك الاجتماعي، وهي منهج تربوي شامل لبناء شخصية إسلامية متكاملة.

 

الإشارات إلى عظمة الله وقدرته في الكون

تتضمن سورة لقمان إشارات عديدة إلى عظمة الله وقدرته في الكون كدلائل على وحدانيته واستحقاقه للعبادة:

  • خلق السماوات بغير عمد: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (لقمان: 10).  
  • تسخير الشمس والقمر: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: 20).  
  • إنزال الغيث وإنبات الأرض: كما في الآية العاشرة.
  • خلق الإنسان ومراحل حياته: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (لقمان: 25).  
  • علم الله بالغيب: تختتم السورة ببيان اختصاص الله بعلم الغيب في خمسة أمور لا يعلمها إلا هو.

هذه الآيات تُذكر بقدرة الله وعظمته وتدعونا إلى التفكر في خلقه والإيمان به وحده.

 

التحذير من اتباع الهوى والجدال بالباطل

تحذر سورة لقمان من اتباع الهوى والجدال بالباطل بغير علم وهدى وكتاب منير، وذلك في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّبِعْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالَ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (لقمان: 20-21).

تُبين هذه الآيات خطورة الجدال في أمور الدين بغير علم صحيح أو هداية من الله أو دليل واضح من الكتاب، كما تُحذر من التعصب للآراء الموروثة دون تدبر أو تفكر. هذا التحذير يُوجه المؤمن إلى ضرورة التمسك بالعلم الصحيح والوحي الإلهي في فهم الدين والدعوة إليه.

خامسًا: الأثر التربوي والأخلاقي لسورة لقمان في بناء جيل مؤمن وقويم

تُحدث سورة لقمان أثرًا تربويًا وأخلاقيًا عميقًا في بناء جيل مؤمن وقويم من خلال:

  • تأسيس العقيدة الصحيحة: تبدأ الوصايا بالتوحيد ونبذ الشرك كأساس للإيمان.
  • غرس قيم الاحترام والبر: التأكيد على بر الوالدين وشكر النعم.
  • تنمية الوعي بعلم الله وقدرته: تذكير الأبناء بعلم الله الشامل وإحاطته بكل شيء.
  • الحث على أداء العبادات: الأمر بإقامة الصلاة.
  • تعزيز المسؤولية الاجتماعية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • تنمية قوة التحمل والصبر: الوصية بالصبر على الأذى.
  • غرس قيم التواضع والاعتدال: النهي عن الكبر والأمر بالاعتدال في المشي وخفض الصوت.
  • التحذير من اتباع الهوى والجهل: التوجيه نحو التمسك بالعلم الصحيح.

إن الاقتداء بنموذج لقمان الحكيم في تربية الأبناء وتضمين هذه الوصايا في المناهج التعليمية يُسهم في بناء جيل مسلم واعٍ وقويم الأخلاق ومستقيم العقيدة.

 

خاتمة

تُعدّ سورة لقمان منهجًا تربويًا قويمًا ومصدرًا للحكمة والعبر. إن وصايا لقمان لابنه تُقدم لنا نموذجًا فريدًا لكيفية بناء جيل مؤمن وقويم الأخلاق من خلال غرس العقيدة الصحيحة، وتعزيز القيم النبيلة، وتنمية الوعي بعظمة الله، والتحذير من الرذائل. كما تُذكرنا السورة بعظمة الله وقدرته في الكون وتدعونا إلى التفكر في آياته. إن تدبر آيات سورة لقمان والعمل بتوجيهاتها وتطبيق وصاياها في تربية أبنائنا ومجتمعاتنا هو السبيل لبناء أفراد صالحين وأسر مستقرة ومجتمعات فاضلة تسعى لرضوان الله. فلنحرص على قراءة هذه السورة المباركة بتدبر وتفكر لنستنير بهديها ونعمل بما فيها من توجيهات قيمة لبناء جيل المستقبل.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث