علم التجويد

مقدمة

يُعدّ علم التجويد من أجلّ العلوم الشرعية وأشرفها، إذ يتناول كيفية قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة فصيحة، كما أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إنه فن إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وإعطائها صفاتها اللازمة من ترقيق وتفخيم وإظهار وإدغام وإخفاء ومد وقصر، وغير ذلك، بهدف تلاوة كلام الله تعالى على الوجه الأكمل والأجمل. لا يقتصر علم التجويد على الجانب الصوتي فحسب، بل يمتد ليشمل فهم معاني القرآن الكريم والتدبر في آياته، حيث أن التلاوة الصحيحة تُعين على الفهم العميق والتأثر الوجداني بكلام الله. إن إتقان علم التجويد يُعدّ من السنن المؤكدة في قراءة القرآن، وهو دليل على تعظيم كلام الله والعناية به. هذا البحث يسعى إلى استكشاف مفهوم وأهمية وأركان وصفات علم التجويد، وبيان تأثيره الروحي والجمالي على التالي والمستمع.

 

مفهوم وأهمية وفضل علم التجويد

مفهوم علم التجويد: لغةً: التحسين والتزيين والإتقان. اصطلاحًا: هو علم يُعنى بإعطاء كل حرف من حروف القرآن الكريم حقه ومستحقه من مخرج وصفة ومد ووقف وغير ذلك، مع مراعاة قواعد النطق الصحيح.

أهمية علم التجويد:

  • تطبيق أمر الله تعالى: قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4]، والتجويد هو تحقيق هذا الأمر.
  • الحفاظ على النطق الصحيح: يضمن التجويد قراءة القرآن الكريم كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمي من اللحن والتحريف في النطق.
  • فهم المعاني: القراءة الصحيحة تساعد على فهم معاني الآيات بدقة، حيث أن تغيير حركة أو مد قد يغير المعنى.
  • جمال التلاوة والتأثير الروحي: التجويد يُضفي جمالًا ورونقًا على التلاوة، ويؤثر في قلب التالي والمستمع.
  • تعظيم كلام الله: إتقان التجويد دليل على تعظيم كلام الله والعناية به.

فضل علم التجويد:

  • الفوز بالأجر والثواب: التالي المتقن للقرآن مع السفرة الكرام البررة.
  • الارتقاء في درجات الجنة: يُقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقِ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
  • نيل الشفاعة: يشفع القرآن لأصحابه يوم القيامة.

أركان علم التجويد

يُعتبر الركن بمثابة الأساس الذي يقوم عليه الشيء، وأركان علم التجويد هي:

  • مخارج الحروف: هي المواضع التي يخرج منها الحرف عند النطق به. معرفة المخارج الصحيحة ضرورية للنطق بالحروف بوضوح وتمييزها عن بعضها البعض. تنقسم المخارج إلى خمسة أقسام رئيسية: الجوف، والحلق، واللسان، والشفتان، والخيشوم.
  • صفات الحروف: هي الكيفيات التي تعرض للحرف عند خروجه من مخرجه، وتميزه عن غيره. تنقسم الصفات إلى قسمين رئيسيين:
    • الصفات اللازمة (الأصلية): وهي الصفات التي لا تنفك عن الحرف في جميع أحواله، مثل الجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والاستعلاء والاستفال، والإطباق والانفتاح، والإذلاق والإصمات.
    • الصفات العارضة: وهي الصفات التي تعرض للحرف بسبب تجاوره مع حرف آخر أو بسبب حالة معينة في الكلمة، مثل الإظهار والإدغام والإخفاء والإقلاب والمد والقصر والتفخيم والترقيق.

أحكام التجويد الأساسية

تشمل أحكام التجويد مجموعة من القواعد التي تنظم كيفية نطق الكلمات والحروف عند تلاوة القرآن الكريم:

  • أحكام النون الساكنة والتنوين: الإظهار، والإدغام (بغنة وبغير غنة)، والإقلاب، والإخفاء.
  • أحكام الميم الساكنة: الإظهار الشفوي، والإدغام الشفوي، والإخفاء الشفوي.
  • أحكام الميم والنون المشددتين: وجوب الغنة بمقدار حركتين.
  • أحكام المدود: المد الطبيعي، والمد الفرعي (بسب الهمز والسبب السكوني)، وأنواعهما (المد المتصل، والمد المنفصل، والمد اللازم، والمد العارض للسكون، ومد اللين).
  • أحكام القصر: قصر المد الطبيعي بمقدار حركة واحدة.
  • أحكام الوقف والابتداء: معرفة مواضع الوقف الجائز والحسن والكافي والتام، ومواضع الابتداء الجائز والحسن والقبيح، لفهم المعاني وعدم قطع الكلام المتعلق ببعضه.
  • أحكام التفخيم والترقيق: تفخيم بعض الحروف (مثل الراء واللام في بعض الحالات) وترقيق البعض الآخر.

نشأة وتطور علم التجويد

نشأ علم التجويد تدريجيًا مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول غير العرب في الإسلام، مما أدى إلى ظهور بعض الأخطاء في تلاوة القرآن الكريم (اللحن).

  • الجيل الأول من الصحابة والتابعين: حرصوا على تلقي القرآن وتلاوته كما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
  • عصر التدوين: بدأ العلماء في تدوين قواعد النطق الصحيح للقرآن الكريم في كتب مستقلة، وكان من أوائلهم أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي.
  • تطور علم التجويد: استمر العلماء في تطوير وتفصيل قواعد علم التجويد عبر العصور، وظهرت مؤلفات متخصصة في مخارج الحروف وصفاتها وأحكام التلاوة.
  • القراءات العشر: ساهم اختلاف القراءات القرآنية في إثراء علم التجويد وتنوع قواعده.
  • العصر الحديث: استمر الاهتمام بعلم التجويد وتعليمه، وتطورت وسائل التعليم والتقنية الحديثة لخدمة هذا العلم الشريف.

التأثير الروحي والجمالي للتلاوة المجودة

للتلاوة المجودة للقرآن الكريم تأثير روحي وجمالي عميق على التالي والمستمع:

  • الخشوع والتأثر: التلاوة الصحيحة بأحكام التجويد تساعد على الخشوع والتأثر بكلام الله تعالى، وتلين القلب وتدمع العين.
  • الفهم العميق: إتقان النطق الصحيح يساعد على فهم معاني الآيات بدقة والتدبر فيها.
  • الارتباط الروحي بالله: تلاوة القرآن بتجويد تربط القارئ بكلام الله وتزيد من إيمانه وتقواه.
  • الجمال الصوتي: التجويد يُضفي جمالًا ورونقًا على صوت القارئ، ويجعل التلاوة ممتعة للسامع.
  • نشر كلام الله: القارئ المجود يكون قدوة حسنة لغيره ويشجعهم على تعلم القرآن وتلاوته بشكل صحيح.

خاتمة

يُعدّ علم التجويد من العلوم الشرعية الهامة التي تُعنى بكيفية تلاوة القرآن الكريم قراءة صحيحة ومتقنة. إنه فن ومهارة تهدف إلى إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وإعطائها صفاتها اللازمة، مما يُضفي جمالًا ورونقًا على التلاوة ويُعين على فهم معاني القرآن والتدبر في آياته. إن تعلم علم التجويد وتطبيقه هو امتثال لأمر الله تعالى، وحفاظ على كتابه الكريم من اللحن والتحريف، وسبيل إلى نيل الأجر والثواب والارتقاء في درجات الجنة. لقد حرص علماء المسلمين عبر العصور على تقعيد وضبط قواعد هذا العلم الشريف، ويبقى على المسلمين في كل زمان ومكان الاهتمام بتعلم التجويد وتطبيقه في تلاوتهم لكلام الله تعالى، ليحظوا بفضله وبركته وأجره العظيم.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث