مفسدات الصيام

مقدمة
يُعدّ الصيام ركنًا عظيمًا من أركان الإسلام، وعبادة ذات فضل عظيم وأجر جزيل، كما ورد في الكتاب والسنة. وقد شرعه الله تعالى لعباده لما فيه من تزكية للنفوس وتهذيب للأخلاق وتقوية للإرادة، بالإضافة إلى فوائده الصحية والاجتماعية. ولتمام هذه العبادة وقبولها عند الله تعالى، لا بد للصائم من الإمساك عن المفطرات التي تبطل الصوم وتفسده. إن فهم مفسدات الصيام وأحكامها وضوابطها يُعد أمرًا ضروريًا لكل مسلم مكلف يسعى لأداء هذه الفريضة على الوجه الأكمل، وتجنب ما قد يخل بها وينقص من أجرها. فالعلم بهذه الأحكام يساعد الصائم على الاحتياط لدينه والحرص على سلامة صيامه وتمام عبادته.
لم يترك الشرع الإسلامي أمر الصيام مبهمًا، بل بين بوضوح ما يفسد الصوم وما لا يفسده، وذلك تيسيرًا على المسلمين ورفعًا للحرج عنهم. وقد استند الفقهاء في بيانهم لمفسدات الصيام إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإلى قواعد الشريعة ومقاصدها. إن الإلمام بهذه المفسدات وأنواعها وأحكامها المختلفة، مع التفريق بين ما يفسد الصوم عمدًا أو سهوًا، وما يوجب القضاء أو الكفارة، يساعد المسلم على أداء هذه العبادة بيقين واطمئنان.
مفهوم مفسدات الصيام وأنواعها الرئيسية
مفسدات الصيام هي الأفعال أو الأمور التي إذا فعلها الصائم عمدًا واختيارًا في نهار رمضان بطل صومه ووجب عليه القضاء، وقد تجب عليه الكفارة في بعض الحالات. يمكن تصنيف مفسدات الصيام إلى أنواع رئيسية بناءً على طبيعتها وتأثيرها على حقيقة الصوم، وهي الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.
الأنواع الرئيسية لمفسدات الصيام:
- الأكل والشرب عمدًا: وهو إدخال أي مادة غذائية أو مشروب إلى الجوف عن طريق الفم أو الأنف، سواء كانت قليلة أو كثيرة، وسواء كانت نافعة أو ضارة. قال الله تعالى في الحديث القدسي: “يدع طعامه وشرابه من أجلي”. وهذا يشمل تناول الطعام والشراب الصلب والسائل والمسحوق والحبوب والأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم أو الأنف.
- الجماع عمدًا: وهو إتيان الزوجة في نهار رمضان عمدًا واختيارًا. وهذا من أعظم مفسدات الصيام ويوجب القضاء والكفارة المغلظة.
- ما هو في معنى الأكل والشرب: يشمل هذا النوع إدخال مواد مغذية أو مقوية إلى الجسم عن طريق غير الفم والأنف، مثل:
- الحقن المغذية (Intravenous Fluids): التي تغذي الجسم وتغني عن الطعام والشراب. أما الحقن غير المغذية كالأدوية أو اللقاحات فلا تفسد الصوم في الغالب.
- نقل الدم: إذا كان بغرض التغذية وتعويض الدم المفقود بكمية كبيرة.
- إخراج المني عمدًا باختياره: سواء كان ذلك بالاستمناء أو المباشرة أو التفكير المؤدي إلى ذلك. أما خروج المني بغير اختيار كالاختلام فلا يفسد الصوم.
- القيء عمدًا: وهو تعمد إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب. أما القيء بغير عمد كالغلبة فلا يفسد الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء” (رواه أبو داود والترمذي).
- الحيض والنفاس: وهما من الأمور التي تفسد صوم المرأة ويجب عليها القضاء بعد الطهر. ولا يجوز للمرأة الحائض أو النفساء الصوم.
- الردة عن الإسلام (عياذًا بالله): إذا ارتد الصائم عن الإسلام في نهار رمضان بطل صومه.
تفصيل أحكام مفسدات الصيام وضوابطها
لكل نوع من مفسدات الصيام أحكام وضوابط تفصيلية يجب على الصائم معرفتها:
- الأكل والشرب:
- العمد والسهو: إذا أكل الصائم أو شرب ناسيًا فلا يفسد صومه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه” (متفق عليه). أما إذا فعل ذلك عمدًا وهو ذاكر لصومه فإنه يفسد صومه ويجب عليه القضاء.
- القليل والكثير: سواء كان الأكل أو الشرب قليلًا أو كثيرًا فإنه يفسد الصوم إذا كان عمدًا.
- المواد غير المغذية: اختلف الفقهاء في حكم تناول المواد غير المغذية كالأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم أو الأنف، والأكثر على أنها تفسد الصوم إذا وصلت إلى الجوف، أما قطرة العين والأذن والحقن غير المغذية فلا تفسد الصوم عند جمهور العلماء.
- الجماع:
- العمد والاختيار: إذا جامع الصائم عمدًا واختيارًا في نهار رمضان وهو مكلف فإنه يفسد صومه ويجب عليه القضاء والكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا. أما إذا كان ناسيًا أو مكرهًا فلا يفسد صومه.
- ما هو في معنى الأكل والشرب:
- الحقن المغذية ونقل الدم: تفسد الصوم لأنها تغني عن الطعام والشراب وتوصل الغذاء إلى الجسم بطريق آخر.
- إخراج المني عمدًا:
- الاختيار والقصد: إذا أخرج الصائم المني عمدًا باختياره فإنه يفسد صومه ويجب عليه القضاء. أما إذا خرج بغير قصد كالاحتلام فلا يفسد الصوم.
- القيء عمدًا:
- التعمد والغلبة: إذا تعمد الصائم القيء وهو ذاكر لصومه فإنه يفسد صومه ويجب عليه القضاء. أما إذا غلبه القيء بغير قصد فلا يفسد صومه.
- الحيض والنفاس:
- وجوب الإفطار: يجب على المرأة الحائض والنفساء الإفطار ولا يصح منهما الصوم حال وجود الحيض أو النفاس.
- وجوب القضاء: يجب على المرأة قضاء ما فاتها من صيام بعد الطهر.
- الردة عن الإسلام:
- بطلان الصوم: إذا ارتد الصائم عن الإسلام في نهار رمضان بطل صومه، وإن عاد إلى الإسلام وجب عليه قضاء ذلك اليوم عند بعض العلماء.
مسائل معاصرة تتعلق بمفسدات الصيام
مع تطور الحياة وظهور مستجدات طبية وتقنية، ظهرت بعض المسائل المعاصرة التي تحتاج إلى بيان حكمها فيما يتعلق بمفسدات الصيام، منها:
- بخاخ الربو: يحتوي على دواء يصل إلى الرئتين، والأكثر على أنه لا يفسد الصوم لأنه يصل إلى الجهاز التنفسي وليس إلى الجوف عن طريق الفم والأنف.
- قطرة العين والأذن: لا تفسد الصوم عند جمهور العلماء لأن العين والأذن ليستا منفذًا معتادًا إلى الجوف.
- الحقن غير المغذية (الأدوية واللقاحات): لا تفسد الصوم لأنها لا تغذي الجسم ولا تقوم مقام الطعام والشراب.
- تحليل الدم (أخذ عينة صغيرة): لا يفسد الصوم لأنه لا يؤثر على حقيقة الصوم.
- غسيل الكلى (Dialysis): يفسد الصوم لأنه يتم فيه إدخال مواد إلى الدم وسحب مواد أخرى منه، وهو في معنى الحقن المغذية عند بعض العلماء.
- التخدير: إذا كان التخدير موضعيًا أو خفيفًا لا يفقد معه الصائم وعيه تمامًا فلا يفسد الصوم. أما التخدير الكلي الذي يفقد معه الصائم وعيه طوال النهار فيفسد الصوم ويجب القضاء.
- المضمضة والغرغرة: تجوز المضمضة والغرغرة في الصيام بشرط عدم ابتلاع الماء عمدًا.
- معجون الأسنان: يجوز استعمال معجون الأسنان في الصيام بشرط الحذر من ابتلاعه. والأفضل استعماله قبل الفجر أو بعد الإفطار.
- لاصقات النيكوتين والأدوية الجلدية: لا تفسد الصوم لأنها تمتص عن طريق الجلد ولا تصل إلى الجوف عن طريق الفم والأنف.
الخاتمة
إن معرفة مفسدات الصيام وأحكامها وضوابطها من الأمور الهامة التي ينبغي على كل مسلم مكلف أن يتعلمها ويتفقه فيها ليتمكن من أداء هذه العبادة العظيمة على الوجه الصحيح والمقبول. فالصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو عبادة لها أحكامها وشروطها ومفسداتها التي يجب على الصائم مراعاتها والاحتياط لها. إن الحرص على سلامة الصوم وتجنب مفسداته دليل على عظم قدر هذه العبادة في قلب المسلم وسعيه لنيل رضا الله تعالى وثوابه الجزيل. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا وأن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يعلمنا ما جهلنا ويفقهنا في ديننا.