العمرة

زيارة مباركة وتجديد للعهد في رحاب البيت العتيق

مقدمة

تُمثل العمرة في الشريعة الإسلامية زيارة مباركة للبيت الحرام في مكة المكرمة، وأداء جملة من المناسك المشروعة التي تشتمل على الطواف بالبيت العتيق، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. على الرغم من أنها ليست فرضًا عينًا كالحج إلا لمن استطاع إليه سبيلًا، إلا أن العمرة تُعد من أجلّ القربات وأعظم الطاعات، لما فيها من فضل عظيم وثواب جزيل، وفرصة لتجديد العهد مع الله تعالى، وتطهير النفس من الذنوب والخطايا. إنها رحلة روحانية قصيرة وميسرة نسبيًا، تتيح للمسلم الوقوف بين يدي الله في أقدس بقاعه، والتضرع إليه، والتقرب منه بالأعمال الصالحة. العمرة هي شوق الروح إلى خالقها، ونداء القلب إلى مهوى الأفئدة، وسعي الجوارح في سبيل رضا الرحمن. إن فهم مفهوم العمرة وفضلها وأركانها وواجباتها وسننها، واستيعاب آدابها وأحكامها، يمثل زادًا ضروريًا لكل مسلم يتوق إلى هذه الزيارة المباركة، ويسعى إلى اغتنام فضلها ونيل بركتها.

 

مفهوم العمرة وفضلها في الشريعة الإسلامية

مفهوم العمرة: لغةً هي الزيارة، واصطلاحًا هي زيارة البيت الحرام في مكة المكرمة لأداء مناسك مخصوصة هي الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. وتُسمى أيضًا “الحج الأصغر”.

فضل العمرة في الشريعة الإسلامية: وردت في فضل العمرة نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تدل على عظيم أجرها وبركتها، منها:

  • قول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].
  • قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» [متفق عليه].
  • قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ» [رواه الترمذي والنسائي].
  • العمرة سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، وهي من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه.

أركان العمرة وواجباتها وسننها

تتكون العمرة من أركان وواجبات وسنن يجب على المعتمر الإتيان بها على الوجه المشروع:

أركان العمرة (لا تصح إلا بها):

  • الإحرام: وهو نية الدخول في النسك من أحد المواقيت المكانية المحددة شرعًا، مع التلبية.
  • الطواف بالبيت الحرام: وهو الدوران حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط، تبدأ من الحجر الأسود وتنتهي به، مع مراعاة شروط الطواف.
  • السعي بين الصفا والمروة: وهو المشي سبعة أشواط بين جبلي الصفا والمروة، يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة.
  • الحلق أو التقصير: وهو حلق شعر الرأس للرجال أو تقصيره، وتقصير أطراف الشعر قدر أنملة للنساء.

واجبات العمرة (يجب الإتيان بها ويجبر تركها بدم):

  • الإحرام من الميقات: كما ذكر في الأركان.
  • اجتناب محظورات الإحرام: وهي الأفعال التي يحرم على المحرم فعلها بمجرد دخوله في الإحرام.

سنن العمرة (يستحب الإتيان بها ولا يترتب على تركها شيء):

  • الاغتسال أو الوضوء قبل الإحرام.
  • التطيب قبل لبس ثوبي الإحرام (للرجال).
  • لبس ثوبي الإحرام إزارًا ورداءً أبيضين نظيفين (للرجال).
  • صلاة ركعتين سنة الإحرام بعد لبس الثوبين.
  • الإكثار من التلبية ورفع الصوت بها (للرجال) حتى الشروع في الطواف.
  • الرمل (الهرولة) في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم (وهو مستحب في العمرة أيضًا عند بعض العلماء).
  • الدعاء والذكر والتضرع أثناء الطواف والسعي.
  • صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام بعد الطواف.

كيفية أداء مناسك العمرة بالتفصيل

يتم أداء مناسك العمرة بترتيب محدد وسنن مستحبة:

  1. الإحرام: يتوجه المعتمر إلى أحد المواقيت المكانية المحددة (مثل ذو الحليفة، الجحفة، قرن المنازل، يلملم، ذات عرق) ويغتسل أو يتوضأ، ثم يلبس ثوبي الإحرام (للرجال) أو الثياب الساترة (للنساء)، وينوي بقلبه أداء العمرة لله تعالى، ويتلفظ بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.
  2. الطواف: عند الوصول إلى المسجد الحرام، يتوجه المعتمر إلى الكعبة المشرفة ويبدأ الطواف من الحجر الأسود، مستقبلاً له ومكبرًا، ثم يدور حول الكعبة سبعة أشواط كاملة، جاعلاً الكعبة على يساره، مع الدعاء والذكر والتضرع. يستحب الرمل (الهرولة) في الأشواط الثلاثة الأولى للرجال في طواف القدوم (وهو مستحب في العمرة أيضًا عند بعض العلماء). وعند الانتهاء من الطواف، يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام إن تيسر.
  3. السعي: بعد صلاة ركعتي الطواف، يتوجه المعتمر إلى الصفا ويبدأ السعي منه إلى المروة شوطًا واحدًا، ثم من المروة إلى الصفا شوطًا ثانيًا، وهكذا حتى يكمل سبعة أشواط، يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة. يستحب الإسراع بين العلمين الأخضرين في المسعى للرجال. يدعو المعتمر ويذكر الله ويتضرع إليه أثناء السعي.
  4. الحلق أو التقصير: بعد الانتهاء من السعي عند المروة، يقوم الرجال بحلق شعر رؤوسهم بالكامل أو تقصيره من جميع جوانبه، وتقوم النساء بتقصير أطراف شعرهن قدر أنملة. بهذا تنتهي مناسك العمرة ويتحلل المعتمر من إحرامه.

آداب العمرة وأحكامها الهامة

يستحب للمعتمر مراعاة جملة من الآداب والأحكام الهامة أثناء أداء العمرة:

  • الإخلاص لله تعالى: يجب أن يكون القصد من العمرة وجه الله تعالى وطلب رضوانه.
  • اتباع السنة النبوية: الحرص على أداء المناسك كما وردت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
  • الخشوع والتدبر: استشعار عظمة المكان والزمان والتركيز على العبادة.
  • اجتناب الرفث والفسوق والجدال: الابتعاد عن الكلام البذيء والفعل المحرم والخصومة.
  • حسن الخلق مع الآخرين: التحلي بالصبر والأناة والتعاون مع الحجاج والمعتمرين.
  • المحافظة على نظافة المسجد الحرام والمشاعر المقدسة.
  • تجنب إيذاء الآخرين بالزحام أو غيره.
  • الاستكثار من الدعاء والذكر والاستغفار.
  • الإلمام بأحكام العمرة ومحظورات الإحرام قبل السفر.
  • الاستعانة بالعلماء وسؤالهم عما أشكل.

الخاتمة

تظل العمرة رحلة إيمانية مباركة، ونافذة روحانية يطل منها المسلم على بيت الله العتيق، ويتجدد فيها عهده مع خالقه. إنها فرصة للتطهر من الذنوب، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، واستشعار عظمة المكان وقدسيته. من خلال الإلمام بمفهوم العمرة وفضلها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، والحرص على أدائها على الوجه المشروع، يسعى المسلم إلى نيل رضا الله ومغفرته، والعودة من هذه الزيارة المباركة بقلب أنقى وروح أصفى، وعزيمة أقوى على الاستقامة والطاعة. فالعمرة هي نداء الشوق إلى الحرم، واستجابة القلب لنداء الإيمان، وسعي الجوارح في سبيل القرب من الرحمن.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث