فضل الصوم وشروط وجوبه

مقدمة
يُعدّ الصوم عبادة جليلة القدر في الإسلام، وركنًا أساسيًا من أركانه، فرضه الله تعالى على المسلمين لما فيه من تزكية للنفوس وتهذيب للأخلاق وتقوية للإرادة، بالإضافة إلى الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي وعد الله به الصائمين. ليس الصوم مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة روحية شاملة، تحمل في طياتها حكمًا عظيمة وفوائد جمة، دينية ودنيوية، فردية واجتماعية. إن فهم فضل هذه العبادة وشروط وجوبها على المسلمين يُعتبر من الأمور الهامة لكل مؤمن يسعى للامتثال لأوامر ربه والفوز برضاه وجنته. فالصوم يمثل امتثالًا لأمر الله، وتعبيرًا عن الإيمان والتقوى، وفرصة للتطهير الروحي والجسدي، وشعورًا بمعاناة المحتاجين، وتدريبًا على الصبر وضبط النفس.
لقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نصوص عديدة تبين فضل الصوم وعظيم أجره عند الله تعالى، كما بينت الشريعة الإسلامية الشروط التي يجب توفرها لوجوب هذه الفريضة على المسلمين، مراعاة لأحوالهم وقدراتهم. إن الإلمام بهذه الشروط يوضح يسر الشريعة ورفعها للحرج عن المكلفين، مع التأكيد على أهمية هذه العبادة لمن استطاع إليها سبيلًا. كما أن استحضار فضل الصوم وعوائده الروحية والصحية يدفع المسلم إلى الحرص عليه وأدائه على أكمل وجه، ابتغاء مرضاة الله والفوز بجزائه الكريم.
فضل الصوم ومكانته في الإسلام
يحتل الصوم مكانة عظيمة في الإسلام، فهو الركن الرابع من أركان الإسلام التي بني عليها الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” (متفق عليه). وقد وردت نصوص كثيرة في فضل الصوم وعظيم أجره:
- إضافته إلى الله تعالى تشريفًا: قال الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” (متفق عليه). وفي رواية: “يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي”. هذه الإضافة تدل على عظم قدر الصوم ورفعة مكانته عند الله، وأن جزاءه عظيم لا يحيط به إلا هو سبحانه.
- سبب لتحقيق التقوى: قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة: 183). فالصوم وسيلة لتهذيب النفس وتزكيتها وتقويتها على طاعة الله واجتناب نواهيه.
- مغفرة الذنوب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه). فصيام شهر رمضان مع الإيمان بفرضيته واحتساب الأجر فيه سبب لمحو الذنوب والخطايا.
- دخول الجنة من باب الريان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم” (متفق عليه). هذا الباب خصصه الله تعالى لعباده الصائمين تكريمًا لهم.
- شفاعة الصوم يوم القيامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان” (رواه أحمد).
- رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك” (متفق عليه). وهذا يدل على عظيم قدر الصائم عند الله تعالى.
- الصوم جنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة” (متفق عليه)، أي وقاية وحماية من المعاصي والآثام ومن عذاب النار.
- استجابة الدعاء: ورد في بعض الأحاديث فضل دعوة الصائم عند فطره، وأنها لا ترد.
شروط وجوب الصوم في الإسلام
لكي يجب الصوم على المسلم، لا بد من توفر شروط معينة، وهي:
- الإسلام: فالصوم عبادة خاصة بالمسلمين، فلا يجب على غير المسلم ولا يصح منه.
- التكليف: ويشمل شرطين:
- البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي حتى يبلغ سن التكليف. ولكن يُستحب تعويد الصبي المميز على الصوم وتدريبه عليه.
- العقل: فلا يجب الصوم على المجنون أو فاقد العقل، لعدم أهليتهم للتكليف.
- القدرة على الصوم (الإطاقة): فلا يجب الصوم على العاجز عنه بسبب مرض لا يرجى برؤه أو كبر سن يمنعه من الصوم، ويُرخص لهم في الفدية بإطعام مسكين عن كل يوم. أما المريض الذي يرجى برؤه والمسافر، فيرخص لهما في الفطر والقضاء بعد زوال العذر.
- الصحة: فلا يجب الصوم على المريض مرضًا يشق عليه معه الصوم أو يؤدي إلى تفاقم مرضه أو تأخر شفائه، ويجب عليه القضاء عند الشفاء.
- الإقامة: فلا يجب الصوم على المسافر سفرًا شرعيًا يجوز فيه قصر الصلاة، ويُرخص له في الفطر والقضاء بعد العودة من السفر.
- الخلو من الموانع الخاصة بالنساء: فلا يجب الصوم على الحائض والنفساء، ولا يصح منهما حال وجود الحيض أو النفاس، ويجب عليهما قضاء ما فاتهما بعد الطهر.
- دخول شهر رمضان: لا يجب صوم رمضان قبل ثبوت دخوله برؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا.
الحكمة من تشريع الصوم وبعض فوائده
شرع الله تعالى الصوم لحكم عظيمة وفوائد جمة، منها:
- تحقيق التقوى: كما ذكر في قوله تعالى، فالصوم يدرب المسلم على مراقبة الله في السر والعلن، ويقوي إرادته على فعل الخير وترك الشر.
- تهذيب النفس وتزكيتها: يساعد الصوم على كسر شهوات النفس وتقليل سلطانها، ويعودها على الصبر والتحمل والانضباط.
- الشعور بمعاناة الفقراء والمحتاجين: عندما يذوق الصائم ألم الجوع والعطش، يستشعر حاجة إخوانه الفقراء، مما يحفزه على الإحسان إليهم والتصدق عليهم.
- تقوية الإرادة والعزيمة: الامتناع عن الملذات المباحة في الأصل يقوي إرادة المسلم ويجعله أكثر قدرة على التحكم في نفسه.
- الفوائد الصحية: أثبتت الدراسات الحديثة العديد من الفوائد الصحية للصوم، مثل تنقية الجسم من السموم وتحسين وظائف الجهاز الهضمي وتقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض.
- الوحدة والتآخي بين المسلمين: يشترك المسلمون في أداء هذه العبادة في وقت واحد، مما يعزز روح الوحدة والتآخي بينهم.
- زيادة الإقبال على العبادات الأخرى: غالبًا ما يصاحب الصوم زيادة في الإقبال على قراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقات وصلة الأرحام.
الخاتمة
إن الصوم عبادة عظيمة القدر، ذات فضل عظيم وأجر جزيل، شرعها الله تعالى لحكم بالغة وفوائد جمة تعود على الفرد والمجتمع بالنفع في الدنيا والآخرة. وقد بينت الشريعة الإسلامية شروطًا واضحة لوجوب هذه الفريضة، مراعاة لأحوال المكلفين ورفعًا للحرج عنهم. إن استحضار فضل الصوم وعظيم أجره، والحرص على أدائه بشروطه وآدابه، مع استشعار الحكمة من تشريعه، يدفع المسلم إلى الاجتهاد فيه والمسابقة إلى الخيرات في هذا الشهر الفضيل وفي غيره، طمعًا في رضا الله وجنته والفوز بشفاعة هذه العبادة العظيمة يوم القيامة. فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا وأن يتقبل منا صالح الأعمال.