فضل العدل

مقدمة
يُعد العدل من أجلّ القيم وأرفع المبادئ التي حث عليها الإسلام وأمر بها، بل جعله قوام الملك وأساس العمران وسببًا لنزول الرحمة والبركة. فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، وتسوية الحقوق بين الناس دون محاباة أو تحيز، وهو صفة من صفات الله الحسنى وأمر إلهي واجب التطبيق في جميع جوانب الحياة، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الدولة. إن فهم فضل العدل وأهميته وأنواعه وآثاره في الدنيا والآخرة، والحرص على إقامته والتحلي به في جميع التعاملات، يُعد من علامات الإيمان الراسخ والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، وسببًا لنيل رضا الله تعالى والفوز بجنته في الآخرة، وتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء في الدنيا.
مفهوم العدل وأهميته وفضله ومكانته في الإسلام
مفهوم العدل لغةً: الاستقامة والمساواة والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه.
مفهوم العدل اصطلاحًا: هو القسط والميزان، وهو إعطاء كل مستحق حقه من غير نقص ولا زيادة، والحكم بالحق والإنصاف بين الناس في الأقوال والأفعال والأحكام.
أهميته وفضله ومكانته في الإسلام:
- أمر من الله تعالى: قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (النحل: 90). فالله يأمر بالعدل ويجعله من أعظم ما أمر به.
- صفة من صفات الله الحسنى: قال تعالى: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (آل عمران: 18). فالله قائم بالعدل وهو من صفاته الثابتة.
- قوام الملك وأساس الحكم: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. والسلطان العادل هو الذي يقيم العدل في رعيته.
- سبب لنزول الرحمة والبركة: المجتمعات العادلة تنعم بالرحمة والبركة من الله تعالى.
- أمان من الفتن والاضطرابات: العدل يحقق الاستقرار والأمن في المجتمع ويمنع الفتن والاضطرابات.
- سبب لمحبة الناس: الناس بفطرتهم يميلون إلى العدل ويحبون القائمين به.
- أجر عظيم في الآخرة: وعد الله العادلين بأجر عظيم ومنزلة رفيعة يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” (رواه مسلم).
الأدلة الشرعية من القرآن والسنة التي تأمر بالعدل وتحث عليه
وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تأمر بالعدل وتحث عليه في جميع جوانب الحياة:
من القرآن الكريم: آيات كثيرة تأمر بالعدل في الحكم والقضاء والقول والفعل، منها قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء: 135). وقوله تعالى: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الأنعام: 152).
من السنة النبوية: أحاديث عديدة تبين فضل العدل وتحذر من الظلم، منها حديث المقسطين على منابر من نور، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” (رواه مسلم). وحديثه صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم” (رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني).
أنواع العدل ومجالات تطبيقه المختلفة
يشمل العدل في الإسلام أنواعًا ومجالات تطبيق واسعة:
- العدل مع الله تعالى: وهو توحيده وإفراده بالعبادة وعدم الإشراك به شيئًا.
- العدل مع النفس: وهو حملها على طاعة الله واجتناب معاصيه وإعطائها حقها من الراحة والترفيه المباح.
- العدل مع الأهل والأولاد: وهو الإنصاف بينهم في العطايا والمعاملة وعدم تفضيل بعضهم على بعض بغير حق.
- العدل في الحكم والقضاء: وهو الحكم بالحق والإنصاف بين المتخاصمين دون محاباة أو تحيز.
- العدل في الشهادة: وهو أداء الشهادة بالحق وعدم كتمانها أو تحريفها.
- العدل في القول: وهو قول الحق والصدق وتجنب الكذب والزور.
- العدل في المعاملات: وهو الالتزام بالإنصاف والأمانة في البيع والشراء والإجارة وسائر العقود.
- العدل مع الأصدقاء والجيران: وهو إعطائهم حقوقهم وحسن معاملتهم.
- العدل مع الأعداء: وهو عدم تجاوز الحد في عداوتهم والإنصاف في الحكم عليهم. قال تعالى: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (المائدة: 8).
- العدل في توزيع الثروات والفرص: وهو السعي لتحقيق قدر من التوازن والإنصاف في توزيع الخيرات بين أفراد المجتمع.
آثار العدل المباركة في الدنيا والآخرة
للعدل آثار عظيمة ومباركة في الدنيا والآخرة:
في الدنيا:
- الأمن والاستقرار والسلام في المجتمع.
- الرخاء الاقتصادي والاجتماعي.
- محبة الناس وثقتهم بالحكام والقضاة.
- قوة الدولة وعزها.
- إعمار الأرض وتنميتها.
- نزول البركة والرحمة من الله تعالى.
في الآخرة:
- الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة في الجنة.
- النجاة من الظلم وعقوبته.
- رضوان الله تعالى.
- الشفاعة يوم القيامة للعادلين في حكمهم وأهليهم.
التحذير من الظلم وعواقبه الوخيمة
يحذر الإسلام بشدة من الظلم بجميع صوره لما له من عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة:
- الظلم ظلمات يوم القيامة: كما في الحديث السابق.
- دعوة المظلوم لا ترد: كما في الحديث السابق.
- عقوبة الظالم في الدنيا والآخرة: قد يعجل الله عقوبة الظالم في الدنيا قبل الآخرة.
- هلاك الأمم بالظلم: قال تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا” (الكهف: 59).
- الحرمان من محبة الله: الله لا يحب الظالمين. قال تعالى: “وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (آل عمران: 57).
الخاتمة
إن العدل قيمة عظيمة ومبدأ أساسي في الإسلام، وهو أمر من الله تعالى وصفة من صفاته وقوام الملك وأساس العمران. وقد حث عليه القرآن والسنة في جميع جوانب الحياة لما له من آثار مباركة في الدنيا والآخرة. فينبغي على كل مسلم أن يسعى لإقامة العدل في نفسه وأهله ومجتمعه وفي جميع تعاملاته، وأن يحذر من الظلم بجميع صوره لما له من عواقب وخيمة. فالعدل هو سبيل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وهو أساس الأمن والاستقرار والرخاء. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لإقامة العدل والإنصاف وأن يعيذنا من الظلم والجور.