فضل العلم

مقدمة

يُعد العلم في الإسلام من أجلّ الفضائل وأشرف المناقب، وقد حث عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أيما حث، ورفع الله تعالى شأن العلماء وأعلى قدرهم وجعلهم ورثة الأنبياء. فالعلم هو النور الذي يُضيء بصائر الناس ويُرشدهم إلى الحق والصواب، وهو السلاح الذي يُواجه به الجهل والضلال، وهو الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات وتزدهر به الأمم. بالعلم يُعبد الله على بصيرة، وتُقام الشرائع على هدى، وتُحل المشكلات على بينة. فضل العلم لا يقتصر على الجانب الديني فحسب، بل يشمل جميع جوانب الحياة، فهو سبيل التقدم والرقي في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة. إن فهم فضل العلم ومكانته في الإسلام، والحرص على طلبه والعمل به ونشره، يمثل ضرورة حتمية لكل مسلم يسعى لخير نفسه وأمته، ويهدف إلى تحقيق مرضاة الله تعالى. فالجاهل يعيش في ظلام الجهل وتخبط العشوائية، بينما العالم يسير بنور العلم وهدى البصيرة.

 

فضل العلم في القرآن الكريم

لقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تُبين فضل العلم وأهله، وتُعلي من شأنهم، منها:

  • الأمر بالقراءة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1)، وهي أول آية نزلت، دلالة على أهمية العلم.
  • رفع درجة العلماء: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11).  
  • التفريق بين العالم والجاهل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9).
  • خشية الله الخاصة بالعلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28).
  • جعل العلم نورًا يُهتدى به: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام: 122).  

فضل العلم في السنة النبوية المطهرة

ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة تُبين فضل العلم والحث عليه، منها:

  • العلم ميراث الأنبياء: قال ﷺ: “إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”.
  • فضل العالم على العابد: قال ﷺ: “فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب”.
  • طلب العلم طريق إلى الجنة: قال ﷺ: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة”.
  • أجر العالم المستمر: قال ﷺ: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
  • نضارة وجه طالب العلم: قال ﷺ: “نضَّر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه”.
  • الحث على طلب العلم: قال ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”.

أنواع العلم وأهميته في مختلف جوانب الحياة

ينقسم العلم إلى أنواع متعددة، وكل نوع له أهميته وفضله:

  • العلم الشرعي: وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بدينه وشرعه وأحكامه، وهو أشرف العلوم لأنه يتعلق بأجلّ الأمور وأعظمها. به يُعبد الله على بصيرة ويُعرف الحلال والحرام.
  • العلم الدنيوي (العلوم الكونية والإنسانية): وهي العلوم التي تُعين على عمارة الأرض وتحقيق مصالح الناس في دنياهم، كعلوم الطب والهندسة والزراعة والصناعة والإدارة وغيرها. هذه العلوم ضرورية لحياة الناس وتقدمهم، وهي مباحة بل قد تكون واجبة كفاية إذا احتاج إليها المجتمع.

أهمية العلم تتجلى في مختلف جوانب الحياة:

  • في العبادة: العلم هو أساس العبادة الصحيحة المقبولة، فبدونه يقع الإنسان في البدع والضلال.
  • في الأخلاق: العلم يُهذب الأخلاق ويُرشد إلى مكارمها ويُبعد عن سفاسفها.
  • في المعاملات: العلم يُنظم المعاملات بين الناس ويُحقق العدل ويمنع الظلم.
  • في بناء الحضارة: العلم هو أساس التقدم والرقي في جميع المجالات، وهو الذي يميز الأمم القوية عن الضعيفة.
  • في الدعوة إلى الله: العلم هو سلاح الداعية إلى الله، به يقنع الحجة ويدحض الشبهة.

ثمرات العلم وآثاره الحميدة على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة

للعلم ثمرات عظيمة وآثار حميدة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:

  • على الفرد في الدنيا:
    • نور البصيرة وهداية الطريق.
    • التمييز بين الحق والباطل والخير والشر.
    • الارتقاء بالنفس وتهذيبها.
    • تحقيق السعادة والطمأنينة.
    • الرفعة والمنزلة بين الناس.
    • تيسير سبل الرزق.
  • على الفرد في الآخرة:
    • الخشية من الله والخوف من عذابه.
    • زيادة الإيمان واليقين.
    • الفوز بالجنة والنجاة من النار.
    • الأجر العظيم والثواب الجزيل.
    • الشفاعة يوم القيامة (للعلماء العاملين بعلمهم).
  • على المجتمع:
    • التقدم والرقي والازدهار في جميع المجالات.
    • الأمن والاستقرار والعدل.
    • قوة الأمة وعزتها.
    • مواجهة التحديات وحل المشكلات.
    • نشر الخير والمعروف ومحاربة الشر والمنكر.
    • بناء الحضارة الإنسانية والإسهام فيها.

الحث على طلب العلم والعمل به ونشره

إن طلب العلم فريضة على كل مسلم، قال ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. وهذا يشمل العلم الشرعي الذي لا يسع المسلم جهله، ويشمل أيضًا العلوم الدنيوية التي يحتاج إليها المجتمع.

كما أن العمل بالعلم هو ثمرة العلم وغايته، فالعلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر. وقد ذم الله تعالى الذين يعلمون ولا يعملون بعلمهم.

ونشر العلم من أعظم القربات وأجل الطاعات، قال ﷺ: “بلغوا عني ولو آية”. والعالم الذي ينشر علمه ينتفع به الناس ويستمر أجره بعد موته.

 

مسؤولية العلماء تجاه أمتهم

يقع على عاتق العلماء مسؤولية عظيمة تجاه أمتهم، فهم ورثة الأنبياء وقادة المجتمع وهداته. من هذه المسؤوليات:

  • تبليغ العلم ونشره بين الناس.
  • توضيح الحق وبيان الشرع.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • نصح الحكام وتوجيههم.
  • الدفاع عن الدين ورد الشبهات.
  • القدوة الحسنة للناس في أقوالهم وأفعالهم.
  • تحمل المسؤولية والصبر على الأذى في سبيل العلم.

الخاتمة

إن فضل العلم في الإسلام عظيم ومكانته رفيعة، فهو نور البصيرة وسراج الهداية وسبيل الرقي في الدنيا والآخرة. وقد حث عليه القرآن والسنة وأعلى الله شأن أهله. إن طلب العلم فريضة والعمل به ثمرة ونشره صدقة جارية. على كل مسلم أن يسعى لطلب العلم النافع والعمل به ونشره، وأن يُقدر العلماء ويجلهم ويستفيد من علمهم. فالأمة التي تُعنى بالعلم وترفع من شأن العلماء هي الأمة التي تسود وتتقدم وتُسهم في بناء الحضارة الإنسانية. فلنجتهد جميعًا في طلب العلم والعمل به ونشره لننال فضل الله ورضوانه في الدنيا والآخرة. إن الله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث