فضل التوحيد

مقدمة
يُعدّ التوحيد الخالص لله عز وجل أعظم فضيلة وأجلّ منحة ينعم بها الله على عبده. إنه حقيقة الحقائق وأصل الأصول، وعليه تُبنى جميع الأعمال والأقوال والاعتقادات. فضل التوحيد عظيم وثوابه جزيل، وآثاره مباركة في الدنيا والآخرة. إنه مفتاح الجنة وسبب النجاة من النار، وهو الأمن والهدى والراحة والسكينة. لا تقتصر فضائل التوحيد على الثواب الأخروي فحسب، بل تمتد لتشمل حياة المسلم في الدنيا، فتمنحه العزة والكرامة والاستقامة والبركة. إن إدراك فضل التوحيد والعمل بمقتضياته هو سبيل السعادة والنجاح في الدارين. هذا البحث يسعى إلى استجلاء عظمة فضل التوحيد وبيان جوانبه المتعددة في الشريعة الإسلامية.
يهدف هذا البحث إلى إبراز عظمة فضل التوحيد في الإسلام، بدءًا ببيان أنه غاية الخلق وأساس الرسالات، مرورًا بتفصيل فضائله وثمراته العظيمة في الدنيا (الأمن والطمأنينة، العزة والكرامة، البركة في الرزق، قوة التأثير) والآخرة (مغفرة الذنوب، دخول الجنة، النجاة من النار، الشفاعة العظمى)، وتوضيح كيف أن التوحيد هو شرط قبول الأعمال وصلاحها، واستعراض الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تبين فضل الموحدين وجزائهم، وانتهاءً بالحث على تحقيق التوحيد الخالص والتمسك به حتى الممات. سيتناول البحث أيضًا كيف أن التوحيد يحرر الإنسان من عبودية المخلوقين ويوجهه إلى عبادة الخالق وحده، وكيف يمنحه قوة الإيمان واليقين. إن فهم فضل التوحيد والعمل بمقتضياته هو أعظم ما يسعى إليه المسلم في حياته.
التوحيد غاية الخلق وأساس الرسالات
لقد خلق الله الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له، وهذا هو معنى التوحيد. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. ولقد أرسل الله جميع الرسل وأنزل جميع الكتب للدعوة إلى التوحيد. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. فالتوحيد هو أساس الدين ورأس الأمر، وكل عمل لا يقوم عليه فهو باطل.
فضل التوحيد في مغفرة الذنوب وتكفير السيئات
من أعظم فضائل التوحيد أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، مهما عظمت، إذا أتى به العبد خالصًا من قلبه. ففي الحديث القدسي عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة”. [رواه الترمذي وحسنه]. وهذا يدل على عظيم فضل التوحيد وأثره في محو الذنوب.
فضل التوحيد في دخول الجنة والنجاة من النار
التوحيد هو مفتاح الجنة وسبب النجاة من النار. قال صلى الله عليه وسلم: “من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل”. [متفق عليه]. وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار”. [متفق عليه]. وهذا يبين أن تحقيق التوحيد هو سبب لدخول الجنة والنجاة من عذاب النار.
فضل التوحيد في تحقيق الأمن والهدى في الدنيا والآخرة
الموحد هو الآمن الهادي في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]. والظلم هنا هو الشرك كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم. فمن حقق التوحيد سلم من الظلم الأكبر وحصل له الأمن والهدى التام في الدنيا والآخرة.
فضل التوحيد في نيل الشفاعة العظمى
أهل التوحيد هم أحق الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه”. [رواه البخاري]. وهذا يدل على أن الإخلاص في التوحيد هو سبب لنيل هذه الشفاعة العظيمة.
فضل التوحيد في كونه شرطًا لقبول الأعمال وصلاحها
لا يقبل الله عملًا إلا إذا كان خالصًا لوجهه الكريم ومبنيًا على التوحيد الخالص. فالتوحيد هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأعمال، وإذا اختل هذا الأساس بطل العمل. قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ – الزمر: 65.
فضل التوحيد في تحرير الإنسان من عبودية المخلوقين
التوحيد يحرر الإنسان من عبودية المخلوقين وتوجهه إلى عبادة الخالق وحده. فالموحد لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه، وهذا يمنحه عزة وكرامة وحرية حقيقية. إنه يعلم أن النفع والضر بيد الله وحده، فلا يذل لمخلوق ولا يخضع إلا للخالق.
خاتمة
يتضح لنا عظمة فضل التوحيد في الإسلام، فهو غاية الخلق وأساس الرسالات، وسبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة والنجاة من النار، وهو الأمن والهدى في الدنيا والآخرة، وشرط لقبول الأعمال وصلاحها، وهو يحرر الإنسان من عبودية المخلوقين ويوجهه إلى عبادة الخالق وحده. إن فضل التوحيد عظيم وثوابه جزيل، وآثاره مباركة في الدارين. لذا، فإن أعظم ما يجب على المسلم أن يعتني به هو تحقيق التوحيد الخالص في قلبه وقوله وعمله، والتمسك به حتى الممات، لينال بذلك فضل الله العظيم وجنته ورضوانه. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا تحقيق التوحيد الخالص والعمل بمقتضياته والثبات عليه حتى نلقاه.