
ليه الدنيا اسودت بعد ( 2019 )
منذ أواخر 2019، يشعر كثير من الناس أن شيئًا غريبًا حدث.
لا نتحدث هنا عن حدث واحد كجائحة كورونا فقط، بل عن شعور عام: الدنيا اسودت.
فجأة، تراجعت مشاعر البهجة، وازدادت حالات الاكتئاب، وبدأت المقارنات تفتك بعقول الجميع.
لكن، ما الذي تغير فعلًا؟ ولماذا نشعر بذلك؟
دعونا نبدأ من حيث بدأ كل شيء…
في إحدى التجارب الغريبة، تم وضع مجموعة من الذباب داخل برطمان مغلق لثلاثة أيام.
وبعد إزالة الغطاء، لم يخرج أي منها. الذباب ظل يطير داخل نفس الحدود الوهمية التي رسمها له البرطمان،
رغم أن الحاجز لم يعد موجودًا، وحتى بعد إزالة البرطمان.
وهنا تتضح الصورة: ( نحن الذباب ).
ما حدث في نهاية 2019 برمجنا نفسيًا على حدود جديدة، لم نعد قادرين على تجاوزها، رغم أنها غير مرئية.
مع الحجر المنزلي، لجأ الناس للمحتوى الترفيهي القصير كوسيلة للهروب: TikTok، Reels، Shorts.
في البداية، كان هذا المحتوى يسلي ويضحك. لكن مع الوقت، تحوّل إلى إدمان، يُغذي حاجة داخلية دائمة للمكافأة الفورية.
أصبح الدماغ يبحث عن الإثارة السريعة، ويفقد صبره أمام أي شيء يحتاج وقتًا وتركيزًا.
وهنا بدأنا نشعر أن العالم أصبح ضيقًا، بطيئاً، ومملًا… إلا تلك اللقطات السريعة على الشاشة.
تطور الفلاتر جعل كل شيء مثاليًا: الوجوه، الأجسام، الإضاءة.
أصبحنا نقارن أنفسنا بما هو “فوق الطبيعي”، وبما لا وجود له أصلًا.
هذه المقارنات المستمرة خلقت شعورًا بالرفض الذاتي. فمع كل صورة معدّلة نراها، يقل حبنا لأنفسنا،
ونشعر أن ما نملك لا يكفي.
قد يبدو الأمر غريبًا، لكن: المشاعر السلبية = بزنس ناجح.
كلما كنت غير راضٍ عن شكلك، حياتك، هاتفك، منزلك… ستشتري أكثر.
وهنا نصل لحقيقة صادمة، المنصات لا تريدك سعيدًا.
سعادتك تعني تقليل استهلاكك
بينما حزنك .. هو وقود الاقتصاد الرقمي الحالي.
ما نستهلكه يوميًا من محتوى سريع، صدمات بصرية، وسوشيال ميديا…
يُغرقنا في ما يُعرف بـ “الدوبامين الرخيص”.
مكافآت صغيرة متكررة، تبرمج دماغك على الإدمان،
وتضعف قدرتك على الاستمتاع بالحياة الحقيقية.
النجاة تبدأ من كلمة واحدة: الانقطاع.
ابتعد كليًا عن المحتوى السريع ولو لأسبوع.
في البداية ستشعر بالملل، وربما بالألم… لكن سريعًا، ستبدأ في استعادة انتباهك، تفكيرك، وشغفك بالحياة.
تمامًا كما في تجربة الذباب،
تحتاج أن تدرك .. أن البرطمان لم يعد موجودًا، والحدود التي تشعر بها .. مجرد وهم.