الحث على العمل في الشريعة الإسلامية

مقدمة

يُعد العمل في الشريعة الإسلامية قيمة سامية وضرورة حياتية، فهو ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق وتأمين المعيشة، بل هو عبادة عظيمة يؤجر عليها المسلم إذا أخلص فيها النية واتبع فيها الهدي النبوي. فالإسلام دين العمل والإنتاج، يحث أتباعه على السعي والكد والاجتهاد في مختلف مجالات الحياة، سواء كانت دينية أو دنيوية، لما فيه من تحقيق مصالح الفرد والمجتمع، وتنمية القدرات، وإعمار الأرض، والارتقاء بالنفس والروح. إن فهم قيمة العمل في الإسلام وأنواعه وفضائله وآدابه، والحرص على القيام به بإتقان وإخلاص، يُعد من علامات الإيمان الراسخ والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، وسببًا لنيل رضا الله تعالى والفوز بجنته في الآخرة، وتحقيق التقدم والازدهار في الدنيا.

 

قيمة العمل وأهميته وضرورته في الإسلام

يحتل العمل في الإسلام مكانة عظيمة وأهمية بالغة، ويتجلى ذلك في عدة جوانب:

  • عبادة وقربة إلى الله: إذا نوى المسلم بعمله وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، وكان عمله مشروعًا وموافقًا للشرع، فإنه يُعد عبادة يؤجر عليها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” (رواه البخاري).
  • ضرورة حياتية: العمل هو الوسيلة الأساسية لكسب الرزق وتأمين ضروريات الحياة للفرد والأسرة. قال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” (الملك: 15).  
  • إعمار الأرض: العمل الجاد والمتقن يسهم في إعمار الأرض وتنميتها وتحقيق التقدم والازدهار للمجتمع. قال تعالى: “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” (هود: 61).
  • تنمية القدرات واستغلال الطاقات: العمل يتيح للفرد استغلال مواهبه وقدراته وتنميتها وتطويرها، مما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
  • الحفاظ على كرامة النفس: العمل يكفي الإنسان ذل السؤال والحاجة إلى الآخرين، ويحفظ كرامته وعزته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه” (رواه البخاري).
  • الارتقاء بالنفس والروح: العمل الصالح والمتقن يورث صاحبه الرضا والسعادة والشعور بالإنجاز، ويقوي إيمانه وثقته بالله.
  • تحقيق التكافل الاجتماعي: عمل القادرين وإعانتهم للمحتاجين من ثمرات العمل الصالح في المجتمع الإسلامي.

الأدلة الشرعية من القرآن والسنة التي تحث على العمل

وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تحث على العمل وتبين فضله:

  • من القرآن الكريم: آيات كثيرة تحث على السعي والابتغاء من فضل الله والضرب في الأرض، منها قوله تعالى: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الجمعة: 10). وقوله تعالى: “وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (المزمل: 20).  
  • من السنة النبوية: أحاديث عديدة تبين فضل العمل وتحذر من الكسل، منها حديث داود عليه السلام الذي كان يأكل من عمل يده، وحديث الحطاب الذي يحمل حزمة الحطب على ظهره خير له من سؤال الناس، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: “عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور” (رواه أحمد والبزار وصححه الألباني).

أنواع الأعمال المشروعة وفضائلها وآدابها في الإسلام

تشمل الأعمال المشروعة في الإسلام كل عمل نافع للفرد والمجتمع ولا يخالف شرع الله، ويمكن تقسيمها إلى:

  • الأعمال الدينية: كالصلاة والزكاة والصيام والحج وقراءة القرآن والدعوة إلى الله وتعليم العلم الشرعي. وفضل هذه الأعمال عظيم وأجرها مضاعف.
  • الأعمال الدنيوية: وتشمل جميع المهن والحرف والصناعات والتجارات والزراعات والوظائف التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع وكانت مباحة في ذاتها ولم يصاحبها محرم. وفضل هذه الأعمال يكمن في نية العامل الصالحة وإتقانه لعمله والتزامه بالآداب الشرعية.

آداب العمل في الإسلام:

  1. الإخلاص في النية: بأن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته.
  2. الإتقان والجودة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه” (رواه الطبراني والبيهقي وحسنه الألباني).
  3. الأمانة والصدق: في القول والفعل والتعامل.
  4. العدل والإحسان: في التعامل مع الآخرين وعدم الظلم أو الغش.
  5. الالتزام بأحكام الشرع: في البيع والشراء والإجارة وسائر المعاملات.
  6. تجنب الأعمال المحرمة: كالغش والرشوة والربا والاحتكار.
  7. المحافظة على الوقت: واستغلاله فيما ينفع.
  8. التعاون والتكافل: بين العاملين لما فيه مصلحة الجميع.
  9. الرفق واللين: في التعامل مع الزملاء والعملاء.
  10. الشكر لله تعالى: على التوفيق والرزق.

التحذير من الكسل والبطالة في الإسلام

يذم الإسلام الكسل والبطالة وينهى عنهما لما فيهما من مفاسد عظيمة:

مفاسد الكسل والبطالة:

  • التسبب في الفقر والحاجة: البطالة تؤدي إلى عدم كسب الرزق والحاجة إلى الآخرين.
  • ضياع الوقت والجهد: الكسل يؤدي إلى تضييع الأوقات وعدم استغلال الطاقات فيما ينفع.
  • الاعتماد على الآخرين: البطالة تجعل الإنسان عالة على غيره.
  • إضعاف المجتمع: كثرة العاطلين تؤدي إلى ضعف الإنتاج وتباطؤ النمو الاقتصادي.
  • جلب الهم والغم: الفراغ والبطالة قد يؤديان إلى الشعور بالملل والضيق والهم.
  • فتح أبواب الشر: الفراغ قد يشغل بالمعاصي والذنوب.

النهي عن الكسل في السنة النبوية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل. قال: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال” (رواه البخاري).

 

أثر العمل في حياة الفرد والمجتمع والارتقاء الديني والدنيوي

للعمل آثار إيجابية عظيمة على حياة الفرد والمجتمع:

  • على الفرد: تحقيق الاكتفاء الذاتي، حفظ الكرامة، تنمية القدرات، الشعور بالإنجاز، السعادة والرضا.
  • على المجتمع: تحقيق التقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، توفير فرص العمل، تقليل الجريمة والانحراف، بناء مجتمع قوي ومتكافل.
  • على الارتقاء الديني والدنيوي: العمل الصالح المتقن بنية خالصة يرفع درجة العامل عند الله، ويساهم في إعمار الدنيا وتحقيق الخير فيها.

الخاتمة

إن الحث على العمل في الشريعة الإسلامية دعوة صريحة إلى الجد والاجتهاد والإنتاج، وإعلاء لقيمة العمل كعبادة وضرورة وسبيل للرقي. يجب على كل مسلم أن يسعى للعمل الحلال المتقن بنية صالحة، وأن يلتزم بآداب العمل في الإسلام، وأن يحذر من الكسل والبطالة لما فيهما من مفاسد عظيمة. فالعمل هو أساس الحضارة ورمز التقدم وعنوان قوة المجتمع، وهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وأن يرزقنا من فضله وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

روابط تحميل البحث

تحميل البحث

تحميل البحث